كتاب الرسالة المحمدية

في الإسلام» «1» وأنكر على الذين حرّموا على أنفسهم طيبات الدنيا، فقال عزّ وجل قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:
32] ، وقد أنكر الله على رسوله حين حرم على نفسه العسل، فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم: 1] ، والرسالة المحمّدية علّمت الناس لأول مرة أنّ حكمة العبادة إقرار العبد لربه بأنه عبده، ومطيع لأوامره إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر: 60] فالدّين الإسلاميّ يعلّم المسلمين خاصّة، وغيرهم عامّة: أنّ الله يريد منهم أن يؤمنوا به، ولا يشركوا به شيئا، وأن يطيعوا أوامره، ولا يستكبروا عليه، فلا جرم أن تظهر طاعتهم له في صور وأساليب متعددة من العبادة.
وغاية العبادة في الإسلام اعتياد التقوى، والتمرن عليها يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21] وثمرة الصلاة في الإسلام الكفّ عن الفحشاء والمنكر إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: 45] أما الصّوم فمن الوسائل إلى نيل التقوى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] .
وأما الحجّ فمن حكمته أنه لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ [الحج: 28] والزكاة تزكي القلوب، وتنزع منها رذيلة البخل، وتسدّ حاجات الفقراء، وتقضي ضرورات البائسين؛ لأنها تؤخذ من أغنياء الأمة وتردّ على فقرائها، قال الله عز وجل الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى [الليل: 18- 20] . ومن الدين عند المسلمين النكاح، والزواج، وقد قال لهم نبيهم «النكاح من سنّتي ومن يرغب عن سنّتي فليس منّي» «2» وعدّ القرآن الكريم أولاد الإنسان وأزواجه قرّة أعين له، وأرشدهم إلى أن يسألوا
__________
(1) رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 234) : رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات.
(2) رواه مسلم في النكاح (5063) .

الصفحة 211