كتاب مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية

واتخاذهم أولياء من دون المؤمنين، ولا يجوز أن يلتبس أحدهما بالآخر1.
وسر الفرق في ذلك: "أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم؛ لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم، أو نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك؛ فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله وذمة دين الإسلام.
وحكى ابن حزم في "مراتب الإجماع" أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه, وجب علينا أن نخرج لقتالهم ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة تعيّن علينا أن نبرهم بكل أمر لا يدل ظاهره على مودات القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبيل ما نهي عنه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} .
ويتضح ذلك بالمَثَل: فتمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لظهور العلم والغلبة منهم وسلطان المطالبة والرئاسة والسيادة وعلو المنزلة.. وذلك كله منهي عنه؛ لما فيه من تعظيم شعائر الكفر وتحقير شعائر الله ودينه وأهله.
وأما ما أمر به الإسلام من برهم من غير مودة باطنية: فالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة بهم، لا على سبيل الخوف والذلة، والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم ...
فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل، لا على وجه العزة والتعظيم لهم. وينبغي أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا, وأنهم من أشد العصاة لربنا عز وجل.
وبالجملة: فإن برهم والإحسان إليهم مأمور به، وودهم وتوليهم منهيّ عنه، فهما قاعدتان: إحداهما محرمة، والأخرى مأمور بها"1.
__________
1 في جواز هذه الصلة والبر لغير المقاتلين, راجع تفسير الآية الكريمة في: "تفسير الطبري": 28/ 63، 64, "تفسير البغوي": 8/ 95، 96، "أحكام القرآن" للجصاص 5/ 327، "أحكام القرآن" لابن العربي: 4/ 1785، 1786.
2 "الفروق" للقرافي: 3/ 14-16 باختصار. وانظر: "الإسلام في مواجهة التحديات" للمودودي ص39-63، "منهج الإسلام في الحرب والسلام" عثمان جمعة ضميرية ص59-82 وفيه إشارة إلى مراجع كثيرة.

الصفحة 373