كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد الوهاب

لما أرسل موسى ليبقى ذكرها في الأرض. إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال. كما قال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} [القصص: 43] (¬1) بل كان بنو إسرائيل لما كانوا يفعلون ما يفعلون - من الكفر والمعاصي - يعذب اللَّه بعضهم ويبقي بعضهم إذ كانوا لا يتفقون على الكفر ولم يزل في الأرض منهم أمة باقية على الصلاح. قال تعالى {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} [الأعراف: 168]- الآية (¬2) وقال {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113]- الآيتين (¬3) .
وكان من حكمته تعالى ورحمته - لما أرسل محمدا -صلى اللَّه عليه وسلم - خاتم المرسلين - ألا يهلك قومه بعذاب الاستئصال بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كالمستهزئين الذين قال اللَّه فيهم {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]- الآيات (¬4) . والذي دعا عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - أن يسلط عليه كلبا من كلابه فافترسه الأسد كما قال تعالى {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ} [التوبة: 52]- الآية (¬5) . فأخبر سبحانه أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود وتارة بغير ذلك.
فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم كما جرى لقريش
¬_________
(¬1) آية 43 من سورة القصص.
(¬2) آية 168 من سورة الأعراف.
(¬3) الآيتان 113 - 114 من سورة آل عمران.
(¬4) الآيات 95 - 99 من سورة الحجر.
(¬5) آية 52 من سورة براءة.

الصفحة 111