كتاب مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد الوهاب

فرأوا طائرا عائفًا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء. لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جَريّا، أو جريين (¬1) . فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم فأقبلوا، وقالوا لأم إسماعيل: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم - قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فألفَى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحب الأنس - فنزلوا. وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم. حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشَبَّ الغلام. وتعلم العربية منهم. وأنْفَسَهم (¬2) وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم. وماتت أم إسماعيل. وجاء إبراهيم - بعد ما تزوج إسماعيل - يطالع تَرِكَته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام، وقولي له يُغَيِّر عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ - كذا وكذا - فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني: كيف عيشنا؟ فأخبرته: أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غَيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي. وقد أمرني أن أفارقك. الحقي بأهلك، فطلقها. وتزوج منهم امرأة أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، فقال لأهله: إني مُطّلع تركتي. فجاء، فقال لامرأته: أين إسماعيل؟ قالت:
¬_________
(¬1) قال الحافظ في الفتح (ج6 ص 286) بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد الياء: الرسول. وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير. وقيل: سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله، أو لأنه يجري مسرعًا.
(¬2) بفتح الفاء بوزن أفعل التفضيل من النفاسة. أي كثرت رغبتهم فيه.

الصفحة 20