كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ت الرحيلي ط 2

10 - أو سوءِ حفظِهِ: وهي عبارةٌ [عن أن لا يكون] (¬1) غلطُهُ أقلَّ من إصابته (¬2).

فالقسم الأول: -وهو الطعن بكذب الراوي في الحديث النبويّ- هو الموضوع.
والحكم عليه بالوضع إنما هو بطريقِ الظنِّ الغالبِ، لا بالقطْع (¬3)؛ إذ قد يَصْدق الكذوب (¬4)، لكن، لأهل العلم بالحديث ملَكَةٌ قويّةٌ يُمَيِّزون بها ذلك (¬5)، وإنما يَقوم بذلك منهم مَن يكون اطِّلاعه تاماً، وذِهْنه ثاقباً، وفهْمه
¬_________
(¬1) في الأصل: "عمن يكون" وهو لا يستقيم مع ما سيذكره المصنف ص 124 أن سوء الحفظ المراد به: من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه، والمثبت من عدة نسخ.
وقد نبه على هذا الخطأ كثير من شراح النزهة، انظر "شرح نخبة الفكر" للقاري ص 434، واليواقيت والدرر للمناوي 2/ 34.
(¬2) هنا في الأصل حاشيةٌ، نصُّها: "وكذا إذا استويا"، ق 13 ب.
(¬3) قلتُ: هذا ليس دائماً؛ إذ قد يقوم الدليل القطعيّ على ذلك. ثم إنّ القطْع ليس شرطاً للحكم، وإنما العبرة بقيام الدليل أو الأدلة، ولا عبرة بالاحتمالات والظنون بعد ذلك.
(¬4) قلتُ: ومع ذلك لا ينفعنا صِدْقُهُ في هذا، بحسب منهج المحدثين، فرواياته مردودة مطلقاً. والاحتمالات الضعيفة هنا لا يُلْتَفَتُ لها، بحسب منهج المحدِّثين. وما يقوله بعضهم: "الحكم على الحديث بالصحةِ لا يعني أنه كذلك قطعاً، والحكم على الحديث بالضعف لا يَعني أنه كذلك قطعاً" = هو مِن قبيل الكلام العقليّ الافتراضي، ولا يَصِح أن يكون له أَيُّ أثرٍ في الحكم بقبول الحديث أو ردّه، وإنما العمدة في ذلك منهج المحدِّثين.
(¬5) لكن، مِن محاسن منهجهم، رحمهم الله تعالى، أنهم ردُّوا الحديث مِن طريق الكذّاب على كل حال، ولم ينشغلوا بتمييز الصدق مِن الكذب في روايات الكذّاب مِن طريقه هو، وإنما اعتبروا مجرّد وجود الكذّاب في سند الحديث حُكماً على الحديث بالوضع. ثم يُحققون في مدى ثبوت أصل الحديث مِن الطرق الأخرى، فعند ذلك قد يَصحُّ مِن طريقٍ أو طرق، وقد لا يَصحّ.

الصفحة 105