قوياً، ومعرفته بالقرائن الدالة على ذلك متمكِّنة.
وقد يُعْرَف الوضع بإقرار واضعِهِ، قال ابن دقيق العيد (¬1): ((لكن لا يُقْطَع بذلك، لاحتمال أن يكونَ كَذَب في ذلك الإقرار)) (¬2)، انتهى. وفَهِم منه بعضُهم أنه لا يُعمل بذلك الإقرار أصلاً، وليس ذلك مُرادَه، وإنما نَفْيُ القطعِ بذلك، ولا يلزم مِن نَفْيِ القطع نَفْيَ الحكْمِ؛ لأن الحكم يقع بالظن الغالب، وهو هنا كذلك (¬3)، ولولا ذلك لما ساغ قَتْلُ الْمُقِرِّ بالقتل، ولا رَجْمُ المعترفِ بالزنى؛ لاحتمال أن يكونا كاذبيْنِ فيما اعترفا به (¬4).
¬_________
(¬1) هو محمد بن وهب القشيري، أبو الفتح، تقي الدين ابن دقيق العيد، 625 - 702 هـ، نشأ على حالٍ واحدةٍ: مِن الصمت، والاشتغال بالعلم، والتحرز في أقواله وأفعاله، له عدة مؤلفات، منها: اختصاره لعلوم الحديث: "الاقتراح في تحقيق فن الاصطلاح"، و"العمدة شرح عمدة الأحكام"، وهو شاهدٌ بعلمه وفضله.
(¬2) "الاقتراح" لابن دقيق، ص 25.
(¬3) قلتُ: بل هذا ليس كذلك على كل حال، وإنما قد يقع هنا الظن الغالب، وقد لا يقع؛ إذ هو بحسب القرائن واختلاف الأحوال، وهذا أيضاً مِن محاسن منهجهم أنهم تنبهوا لهذا الأمر، واستخدموا العقل في موضعه.
(¬4) هذا صحيح، ولكن مع ملاحظة الفارق بين الأمرين في وجْه الشبه الذي يوجب التفريق في الحكم؛ إذْ أنّ الاعتراف باختلاق الحديث مقتضاه الطعن في الدين وتحريفه، ولا يَعْلم الكذّاب يقيناً أنّ ذلك يُهْدر دمه، بخلاف الاعتراف بموجبٍ مِن موجبات الحدود على المعترف.