فائدة:
ذَكَر ابن الصلاح (¬1) أن مثال المتواتر على التفسير المتقدم يَعِزُّ وجودُه، إلا أن يُدَّعَى ذلك في حديثِ: (مَنْ كَذَبَ عليَّ) (¬2). وما ادّعاه من العِزَّةِ ممنوعٌ، وكذا ما ادعاه غَيْرُهُ مِن العدم؛ لأن ذلكَ نشأَ عن قلةِ اطِّلاعٍ على كثرةِ الطرقِ وأحوالِ الرجالِ وصفاتِهِم المقتضيةِ لإبعادِ العادةِ أن يَتَواطؤا على كذبٍ، أو يَحْصُلَ منهم اتِّفاقاً.
¬_________
= والجواب: هو أنْ لا دليل، بل الدليل قائم بضدّ ذلك، إذ كل أدلة الاحتجاج بخبر الواحد تردُّ هذه القاعدة، والنبي عليه الصلاة والسلام بَعَث رسله إلى مختلف البلدان واحداً بعد واحدٍ ليُعَلِّمُوهم الإسلام كله: عقيدةً وشريعةً؛ فكيف يصح مثل هذا لو كانت القاعدة المذكورة صحيحة؟ ! كيف يصح عندئذ أن يتلقى أهل قُطْر، بأكملهم، الدينَ كلَّه، عقيدة وشريعة، عن شخص واحد؟ ! إنّ هذا مما ينقض هذه القاعدة نقضاً لا مزيد عليه، والحمد لله رب العالمين.
التواتر بين أهل الاختصاص وغيرهم:
هناك فرق بين أمرين: بين الحكم بالتواتر، وهذا لا يكون إلا لأهل الاختصاص، وبين حصول القطع واليقين لدى السامع عند الاطلاع على التواتر، فهذا يحصل لكل أحد يوقَفُ على طبيعة الخبر وشروطه أو طرقه.
(¬1) في "مقدمته" ص 267.
(¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ كَذب عليَّ متعمداً فليتبوّأْ مقعدَهُ مِن النارِ)، حديثٌ متواتر، قد جاء عن عددٍ مِن الأصحاب، رضي الله عنهم، وهو في الصحيحين وغيرهما: البخاري، العلم، 110، والأدب، 6197، ومسلم، مقدمة، 3، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، والبخاري 3461، أحاديث الأنبياء، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.