كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ت الرحيلي ط 2

ومِنْ أحسنِ ما يُقَرَّرُ به كونُ المتواتر موجوداً وجودَ كَثْرةٍ في الأحاديث: أن الكُتَبَ المشهورةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً، المقطوعَ عندهم بصحةِ نسبتِها إلى مصنفِيها، إذا اجتمعتْ على إخراجِ حديثٍ، وتعددتْ طُرقُه تعدّداً تُحيل العادةُ تواطُؤَهم على الكَذِبِ، إلى آخر الشروط، أفاد العلمَ اليقينيَّ بصحته إلى قائله، ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير (¬1) (¬2).

والثاني (¬3) -وهو أول أقسام الآحاد-: ما لَهُ طرقٌ [- 4/ أ -] محصورةٌ بأكثرَ مِن اثنين، وهو المشهور عند المحدثين (¬4).
¬_________
(¬1) في الأصل حاشية بخط المصنف ونصها: "بلغت قراءة بحث عليّ. كتبه مؤلفه".
(¬2) مقدار الأحاديث المتواترة: الحق أن ما ذكروه في الكتب الخاصة بالتواتر ليس كثيراً؛ فقد ذكر الكتاني نحو (311) حديثاً في كتابه: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"، وكتاب السيوطي قبله أقل من هذا العدد، ولكن السبب-في رأيي- في هذه القلة هو الشرط الذي بنى عليه كلٌ مِن هؤلاء تحديد المتواتر؛ فالكتاني مثلاً جمع في كتابه ما اجتمعت عنده له عشرة طرق فأكثر من الروايات.
وهناك دليل آخر يُسْتدل به على كثرة الحديث المتواتر ذكَره الإمام ابن تيمية، رحمه الله، وهو أن جمهور أحاديث الصحيحين؛ متواتر، أو ثابتٌ قطْعاً؛ لِتَلقِّي الأمة لهما بالقبول ذكر هذا في عددٍ مِن المواضع، منها: "مقدمة في أصول التفسير"، 66 - 67؛ ، و"مجموع الفتاوى"، 18/ 17. وبهذا يُعْلم كثرة الحديث المتواتر والحديث الثابت ثبوتاً قطعيّاً.
وهناك أمر آخر يُمْكن أن نعرف مِن خلاله كثرة الأحاديث المتواترة، وهو النظر إلى جميع أنواع الحديث المتواتر: المتواتر لفظاً، والمتواتر معنى، والمتواتر تواتراً عملياً، وبحصْر ما يَصْدق عليه التواتر في كُلٍّ مِن هذه الأنواع يصبح العدد كبيراً.
(¬3) وهو الذي أشار إليه في ص 41، ووضعْتُ له رقم 2.
(¬4) أَيْ: في اصطلاح المحدثين، لا الشهرة بمعنى الشهرة على الأَلْسُنِ.

الصفحة 49