كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ت الرحيلي ط 2

شرطُ البُخَارِيِّ، وأجاب عما أُوْرِدَ عليه مِن ذلك بجوابٍ فيه نظر؛ لأنه قال: فإن قيل: حديثُ: (الأعمال بالنيات) (¬1) فَرْدٌ (¬2)؛
لم يروه عن عُمر إلا علقمة؟
¬_________
(¬1) الحديث هو: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)، أخرجه البخاري، 54، الإيمان، و 2529، العتق، وأخرجه في مواضع أخرى، وأخرجه مسلم أيضاً، 1907، الإمارة.
(¬2) حديث: إنما الأعمال بالنيات:
1 - إنما يزيل الغرابة المطلقة فيه لو قال الصحابة كلهم أو بعضهم: نعم سمعنا ذلك.
2 - هذا الحديث فردٌ صحيح مِن أعلى درجات الصحة؛ لكونه ورد بطريقٍ صحيح مروي في الصحيحين وتلقته الأمة بالقبول.
فعدّةُ أمور رفعته، وأصبح الحديث عندنا صحيحاً صحةً قطعية، فعلى الرغم من أنه آحاد، فقد احتفت به قرائن قوّته ورفعته إلى درجة اليقين-هذا بالنظر إلى الرواية للحديث على لفظه-أما معناه فمتواتر، ولمعرفة التواتر المعنوي يُرَاجع تخريجه في "الابتهاج في تخريج أحاديث المنهاج"، للغماري ص 27 - 41، مع الحواشي.
3 - تكثر الأحاديث الضعيفة في رواية الأفراد، ولكن ليس مجرد التفرد ضعفاً في الرواية ولا في الراوي.
فائدة:
أعمال الإنسان في هذه الدنيا يحكمها حديثان:
الأول: حديث: (إنما الأعمال بالنيات).
والآخر: حديث عائشة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ).
لأن أعمال الإنسان تتكون من النيات ومن الأعمال الظاهرة. وهذان الحديثان كلٌ منهما ميزانٌ لواحد من هذين القسمين.

والحديث الثاني يَدْخل فيه ضبط النية؛ على اعتبار أن النية عملٌ من أعمال القلوب.
فهما يُعَدّان قاعدةً أساسية لسعادة الإنسان، وقاعدةً لضبط تصرفات الإنسان وأعماله، وقاعدةً لتمييز المقبول-عند الله تعالى-من أعماله والمردود منها.
فإذا أردت أن تعرف المقبول من المردود من عملك فما عليك إلا أن تَزِنَهُ بهذين الحديثين. إن ذلك هو الإعجاز! ! . وقد أشار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي إلى هذا المعنى في "بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار"، ص 16.

الصفحة 52