[5/أ] وقد يقع فيها-أي في أخبار الآحاد المنقسمة إلى: مشهور، وعزيز، وغريب- ما يفيد العلم النظريَّ بالقرائن (¬2) على المختار، خلافاً لمن أبى ذلك (¬3). والخلاف في التحقيق لفظيٌّ (¬4)، لأن مَنْ جَوَّزَ إطلاقَ العلمِ قَيّده بكونه
¬_________
(¬1) فوارق بين المتواتر والآحاد:
مِنَ الفوارق بين الآحاد والمتواتر ما يلي:
إفادة الحديث المتواتر للعلم القطعي الضروري، أو ثبوت الحديث المتواتر بدرجةِ العلم القطعي الضروري، بمجرد ثبوت كونه متواتراً، فالمتواتر كله على هذه الصفة، بخلاف الآحاد؛ فإن فيها المقبول وفيها المردود؛ لأن ثبوتها متوقف على النظر والبحث، فحكمها إذَنْ مِن حيث القبول والرد متوقف على توافر شروط القبول؛ فما توافرت فيه شروط القبول فهو مقبول، وما تخلف فيه شرط أو أكثر من شروط القبول فهو مردود.
ثم المقبول مِنْ أخبار الآحاد من حيث إفادته للعلم ينقسم إلى قسمين:
- ما يفيد العلم بأغلبية الظن؛ فهذا يفيد العلم النظري غير القطعي.
- ما يفيد العلم القطعي النظري وهو الآحاد الذي احتفت به قرائن حالِيَّة أو مقاليّة تقوّيه وترفعه إلى درجةِ القطع واليقين.
(¬2) آثار اختلاف المصطلحات: قال المصنِّف: "ما يفيد العلم النظريّ"، وكان ينبغي إن يُحَدِّدَ أكثر؛ فكان الأَولى أنْ يُقَيِّد العلم باليقينيّ أيضاً؛ حتى لا يَخْتلط بما يُفِيد العلمَ بأغلب الظن مِن أحاديث الآحاد، ولو قَيَّده باليقين لكان أزال الاحتمال والإشكال، وهذا مصداق ما قلناه مِنْ قبل مِنْ أن بعض الخلاف في هذا الموضوع مبناه على المصطلحات التي استعملها المتكلمون فيه.
(¬3) في الأصل ق 5 أهنا حاشيةٌ، نصُّها: "قوله: خلافاً لمن أَبى ذلك: هو شيخ الإسلام النووي في شرح مسلم". قلت: قول النووي انظره في "شرح مسلم" (1/ 20).
(¬4) الأصل في هذه المسألة أنّ الخلاف -في التحقيق- لفظيٌّ لكنه قد انبنى عليه خلافٌ فعليٌّ عمليٌّ في مسائلَ أصوليةٍ، وذلك كالخلاف في قبول خبر الآحاد في العقيدة، وهي قضيّةٌ ذاتُ شأنٍ مِن حيث المبدأُ على أَيِّ حالٍ.
وبناء على هذا فإن هذا الخلاف-في نظري- لا يُخَفِّفُهُ قول الإمام ابن حجر: "الخلاف في التحقيق لفظيٌّ".