صيغةُ "أَفْعَلَ"، من زيادةِ صحةٍ في كتابٍ شاركَ كتابَ مسلمٍ في الصحة، يمتاز بتلك الزيادة عليه، ولم يَنْفِ المساواةَ.
وكذلك ما نُقِلَ عن بعض المغاربة أنه فَضّلَ صحيحَ مسلمٍ على صحيح البُخَارِيّ فذلك فيما يَرْجعُ إلى حُسْن السياقِ، وجَوْدَةِ الوضع والترتيب، ولم يُفْصِحْ أحدٌ منهم بأن [7/ب] ذلك راجعٌ إلى الأصَحِّيَّة، ولو أفصحوا به لردَّه عليهم شاهدُ الوجود (¬1).
فالصفاتُ التي تدور عليها الصحةُ في كتابِ البُخَارِيِّ أتمُّ منها في كتابِ مسلمٍ وأشدّ، وشَرْطُهُ فيها أقوى وأسدّ.
¬_________
(¬1) "شاهدُ الوجود":
لقد أَحْسنَ الإمام ابن حجر، رحمه الله تعالى، بهذه الطريقة في الاستدلال؛ وذلك لأنّ أقوى الأدلة لإثبات الشيء حقيقةُ وجودِهِ؛ لأنها تُفنِّد أدلة إنكاره، ولذلك كان مِن حكمة الله تعالى -في باب دعوة الله لنا إلى هُدَاه- أنه دعانا إلى الإيمان به بكلِّ سبيلٍ، ومِن ذلك أنه أَرى بعْضَ عباده عمليةَ الخَلْق والإِحياء.
وقد أشهدَ الله تعالى مَن أَشهَدَ مِن عباده، والإشهاد على الإيجاد، من أدلةِ وحججِ الله على العباد.
وهذا يَعْني أنّ مِن المنهجية المهمة، في طريقة الوصول إلى الحق، والطريقةِ المثلى للمنافحة عن الحق، وردِّ الشبهات، الاتِّساء بهذا المنهج، سواء في طريقة العرض والإقناع، أو في طريقة المناقشة ورَدِّ الشبهات. وقد قالوا: شاهدُ العِيان يُغْني عن البيان! .
وقد تعرَّض الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لهذا في كتابه "الاستقامة"، وفي غيره، وذَكَر كلاماً جميلاً فيه، يُنظر: "مقدمة في أصول التفسير"، له، بتحقيق: د. - عدنان زرزور، الكويت، بيروت، دار القرآن الكريم - مؤسسة الرسالة، ط. - الثانية، 1392 هـ، 1972 م، فصل في نوعي الاختلاف في التفسير، ص 55 - 78.