فإن جُمِعا، أي الصحيحُ والحسنُ، في وصفٍ واحدٍ، كقول الترمذي وغيره: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"، فللتردد الحاصل من المجتهد في الناقل: هل اجتمعتْ فيه شروط الصحة أو قَصُرَ عنها، وهذا حيث يَحْصل منه التفرد بتلك الرواية.
وعُرِفَ بهذا جوابُ مَنِ استشكلَ الجمعَ بين الوصفين؛ فقال: الحَسَنُ قاصرٌ عن الصحيحِ؛ ففي الجمع بين الوصفين إثباتٌ لذلك القصورِ ونَفْيُهُ! .
ومُحَصَّل الجواب: أنّ تردُّدَ أئمة الحديث في حال ناقلِهِ اقتضى للمجتهد أن - لا - يصفه بأحدِ الوصفين، فيُقال فيه: حَسَنٌ باعتبار وصْفِهِ عند قومٍ، صحيحٌ باعتبارِ وصْفِهِ عند قومٍ، وغايةُ ما فيه أنه حُذِف منه حرفُ التردد؛ لأنّ - حقه أن يقول: "حسنٌ أو صحيحٌ "، وهذا كما حُذِفَ حرف العطف مِن الذي بعده (¬1).
وعلى هذا فما قيل فيه: "حسنٌ صحيحٌ" دون ما قيل فيه: "صحيحٌ"؛ لأن الجزمَ أقوى مِن التردد، وهذا حيث التفرد (¬2).
¬_________
(¬1) المقصود بالذي بعده هو: ما قيل فيه: "حسن صحيح"، باعتبار إسنادين؛ فهو بمعنى قولِ: "حسن وصحيح"، لكن، حُذِف منه حرف العطف الواو. وهذا هو ما عناه المؤلف بقوله، بعد هذا: "وإلا إذا لم يحصل ... ". وقد جاءت هنا في الأصل حاشيةٌ نصُّها: "لعله أراد بالذي بعده الغريب، حيث يقول كثيراً: "حسنٌ صحيح غريب"، والتقدير: وغريب، فحذف حرف العطف، وهو الواو؛ فالضمير في "بعده" عائدٌ إلى ما ذكر مِن الجمعِ بين الوصفين؛ فتأمّلْ"، ق 8 ب. قلتُ: والكلام واضحٌ مِن ألفاظِ المؤلف؛ فليس هو في حاجةٍ إلى هذا التكلِّف في التفسير.
(¬2) أَيْ: حيث يكون الحديث مروِيّاً بطريقٍ واحدٍ.