كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ت الرحيلي ط 2

عنده لا يلزم قبولها مطلقاً، وإنما تُقبَلُ من الحفاظ، فإنه اعْتَبَرَ أن يكون حديثُ هذا المخالف أنقصَ مِن حديث مَنْ خَالفه مِنَ الحُفّاظ، وجَعَلَ نقصانَ هذا الراوي مِن الحديث دليلاً على صحته؛ لأنه يدل على تحرّيه، وجَعَلَ ما عدا ذلك مضراً بحديثه؛ فدخلتْ فيه الزيادة؛ فلو كانت عنده مقبولةً مطلقاً لم تكن مضِرّةً بحديثِ (¬1) صاحبها (¬2).

فإن خولف بأرجحَ منه: لِمَزِيد ضبطٍ، أو كثرةِ عددٍ، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، فالراجح يقال له: "المحفوظ".
ومقابِلُهُ، وهو المرجوح، يقال له: "الشاذ".
مثال ذلك: ما رواه الترمذي (¬3)، والنسائيّ، وابن ماجه (¬4)، من طريقِ ابن عُيَيْنَةَ، عن عَمْرو بن دينار، عن عَوْسَجَةَ، عن ابن عباس: (أن رجلاً تُوُفِّيَ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَدَعْ وارثاً إلا مولىً هو
¬_________
(¬1) في الأصل أُلحِقت كلمةُ: "بحديث" إلحاقاً في الحاشية.
(¬2) المخالفة وأثرها في المروي: إذا كثرت المخالفةُ عاد أثرها، كذلك، على الراوي ودلت على طعنٍ في ضبطه؛ ومعنى هذا أن هناك فرقاً بين قولنا: "مخالفة الثقات"، وبين قولنا: "كثرة مخالفة الثقات"، إذ الأُولى لا تستلزم الطعن في الراوي، بخلاف العبارة الثانية، أما الرواية فإنها تتأثر بالمخالفة مطلقاً، إذا كانت المخالفة في أمرٍ أساسٍ في الرواية، بخلاف ما لو كان في أمرٍ ثانويّ لا علاقة له بأساس الرواية.
(¬3) هو محمد بن عيسى بن سَوْرَة، الترمذيّ، أبو عيسى، 209 - 279 هـ -، أخذَ عن البخاري، إمام حافظ وَرِع، كُفَّ بصره في آخر عمره؛ لكثرة بكائه مِن خشية الله تعالى.
(¬4) هو محمد بن يزيد بن ماجه، القزوينيّ، 209 - 273 هـ -، كان إماماً حافظاً، سَمِع منه الكبار، وصنّف التصانيف.

الصفحة 83