كتاب نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ت الرحيلي ط 2

بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة، وافتراقاً في أن الشاذَّ روايةُ (¬1) ثقةٍ، أَوْ - صَدُوْقٍ (¬2)، والمنكَر روايةُ ضعيفٍ. وقد غَفَلَ مَنْ سَوّى بينهما، والله تعالى - أعلم.

وما تقدم ذِكْره من الفرد النِّسبي، إن وُجِد -بعد ظَنِّ كونه فرداً- قد وافقه غيرُهُ فهو المتابِع، بكسر الموحَّدة.

والمتابَعَةُ على مراتبَ:
- إن حصلت للراوي نفْسِهِ فهي التامة.
- وإن حصلت لشيخه فَمَنْ فوقَهُ فهي القاصرة.
ويُستفاد منها التقويةُ (¬3).
¬_________
(¬1) في نسخةٍ: "راويه".
(¬2) قوله: "أو صدوق"، هذا على اصطلاحٍ خاصٍ للإمام ابن حجر في الصدوق. والصدوق عنده حديثه حسن، أَيْ صدوق ضابط ضبطاً خفيفاً. أما في اصطلاح المحدثين فالصدوق بمعنى العدل؛ وهذا وصفٌ لا يفيد إلا تزكية العدالة دون الضبط -في الغالب، عند الإطلاق، ما لم تنضمَّ إليه قرينةٌ تُفيدُ تزكية الراوي بذلك في كل من عدالته وضبطه- وهذا لا يكفي لقبول رواية الراوي.
(¬3) قوله: "ويستفاد منها التقوية" قلت: ولكن، هذا إذا كان المتابِع والمتابَع يَصْلح لذلك؛ لأنه قد استقر في منهج المحدِّثين أن الضعيف ضعفاً شديداً لا ينجبر بتعدد الطرق.
قال ابن الصلاح: "ومِن ذلك ضعفٌ لا يَزول بمجيئه مِن وجْهٍ آخر؛ لقوّة الضعف، وتقاعُدِ هذا الجابر عن جَبْره ومقاومته، كالضعف الذي ينشأُ مِن كون الراوي متَّهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذّاً. وهذه جمْلةٌ تفاصيلها تُدْرَك بالمباشرة". "مقدمة ابن الصلاح"، ص 34.

قال الإمام ابن حجر، في "النكت على ابن الصلاح"؛ تعليقاً على هذا: "أقول: لم يَذْكر للجابر ضابطاً يُعْلم منه ما يَصْلح أن يكون جابراً أو لا، والتحرير فيه أن يقال: إنه يَرْجع إلى الاحتمال في طَرَفَي القبول والردّ؛ فحيث يستوي الاحتمال فيهما فهو الذي يَصْلح لأنْ ينجبر، وحيث يَقوى جانب الردّ فهو الذي لا ينجبر. وأمّا - إذا - رَجَحَ جانبُ القبول فليس مِن هذا، بل ذاك في الحُسْن الذاتيّ، والله أعلم"، النكت."، 1/ 408 - 409.

الصفحة 86