وقد صح قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: (لا يُعْدِي شيءٌ شَيئاً) (¬1)، وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - لمن عارضه بأن البعيرَ الأجربَ يكون في الإبل الصحيحة فيخالِطها فتَجْربُ، حيث رَدَّ عليه بقوله: (فَمَنْ أَعْدَى الأول؟ ! ) (¬2). يعني أن الله سبحانه وتعالى ابتدأ بذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول.
وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمِن بابِ سدِّ الذرائع، لئلاّ يتفق للشخص الذي يخالِطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداءً، لا بالعدوى المنفية (¬3)؛ فَيَظُنّ أنّ ذلك بسببِ مخالطته (¬4)؛ فَيَعْتَقِدَ صحةَ العدْوى؛ فيقعَ في الحرجِ (¬5)؛ - فأَمر بتجنبه حَسْماً للمادة. والله أعلم.
¬_________
(¬1) أخرجه الترمذي، 2143، القَدَر، وأحمد، 4186.
(¬2) لفظه عند أحمد: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئاً)؛ فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ؛ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ النُّقْبَةُ مِنَ الْجَرَبِ تَكُونُ بِمِشْفَرِ الْبَعِيرِ أَوْ بِذَنَبِهِ فِي الإِبِلِ الْعَظِيمَةِ؛ فَتَجْرَبُ كُلُّهَا! . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (فَمَا أَجْرَبَ الأَوَّلَ؟ ! . لا عَدْوَى وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ، خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ فَكَتَبَ حَيَاتَهَا وَمُصِيبَاتِهَا وَرِزْقَهَا)، ولفظ المؤلف أخرجه البخاري، 5717، و 5771، و 5775، الطب، ومسلم، 2220، السلام، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(¬3) وقوله: "من ذلك بتقدير الله ابتداء، لا بالعدوى المنفية". هذا ليس بسديد. ويُقال فيه: ومَن قال: إنَّ تقدير الله تعالى منافٍ للعدوى أو أنّ العدوى منافية لقدَرِ الله؟ ! .
(¬4) قوله: "فيظن أن ذلك بسبب مخالطته". هذا هو الواقع أنه بسبب المخالطة، وهو في الوقت نفسه بقدر الله، فلماذا إقامة هذا التعارض بينهما؟ ! وبأيّ دليل؟ ! .
(¬5) وقوله: "فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج". هذا، أيضاً، ليس بسديد. ويقال فيه: ومَن قال: إن اعتقاد صحة العدوى، التي أثبتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيه حرج؟ ! .