كتاب جلاء الأفهام

هَذَا فِي قلبه جرى لِسَانه بمدحه وَالثنَاء عَلَيْهِ وَذكر محاسنه وَتَكون زِيَادَة ذَلِك ونقصانه بِحَسب زِيَادَة الْحبّ ونقصانه فِي قلبه والحس شَاهد بذلك حَتَّى قَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي ذَلِك
(عجبت لمن يَقُول ذكرت حبي ... وَهل أنسى فأذكر من نسيت)
فتعجب هَذَا الْمُحب مِمَّن يَقُول ذكرت محبوبي لِأَن الذّكر يكون بعد النسْيَان وَلَو كمل حب هَذَا لما نسي محبوبه
وَقَالَ آخر
(أُرِيد لأنسى ذكرهَا فَكَأَنَّمَا ... تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل)
فَهَذَا أخبر عَن نَفسه أَن محبته لَهَا مَانع لَهُ من نسيانها
وَقَالَ آخر
(يُرَاد من الْقلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على النَّاقِل)
فَأخْبر أَن حبهم وَذكرهمْ قد صَار طبعا لَهُ فَمن أَرَادَ مِنْهُ خلاف ذَلِك أَبَت عَلَيْهِ طباعه أَن تنْتَقل عَنهُ والمثل الْمَشْهُور من أحب شَيْئا أَكثر من ذكره وَفِي هَذَا الجناب الْأَشْرَف أَحَق مَا أنْشد
(لَو شقّ قلبِي فَفِي وَسطه ... ذكرك والتوحيد فِي سطر)
فَهَذَا قلب الْمُؤمن تَوْحِيد الله وَذكر رَسُوله مكتوبان فِيهِ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِمَا محو وَلَا إِزَالَة وَلما كَانَت كَثْرَة ذكر الشَّيْء مُوجبَة لدوام محبته ونسيانه سَببا لزوَال محبته أَو اضعافها وَكَانَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُسْتَحق من عباده نِهَايَة الْحبّ مَعَ نِهَايَة التَّعْظِيم بل الشّرك الَّذِي لَا يغفره الله تَعَالَى هُوَ أَن يُشْرك بِهِ فِي الْحبّ والتعظيم فيحب غَيره ويعظم من الْمَخْلُوقَات غَيره كَمَا يحب الله تَعَالَى ويعظمه قَالَ

الصفحة 448