كتاب جلاء الأفهام

الْفَائِدَة الثَّالِثَة وَالثَّلَاثُونَ أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَب لمحبته للْعَبد فَإِنَّهَا إِذا كَانَت سَببا لزِيَادَة محبَّة الْمصلى عَلَيْهِ لَهُ فَكَذَلِك هِيَ سَبَب لمحبته هُوَ للْمُصَلِّي عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الرَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا سَبَب لهداية العَبْد وحياة قلبه فَإِنَّهُ كلما أَكثر الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره واستولت محبته على قلبه حَتَّى لَا يبْقى فِي قلبه مُعَارضَة لشَيْء من أوامره وَلَا شكّ فِي شَيْء مِمَّا جَاءَ بِهِ بل يصير مَا جَاءَ بِهِ مَكْتُوبًا مسطوراً فِي قلبه لَا يزَال يَقْرَؤُهُ على تعاقب أَحْوَاله ويقتبس الْهدى والفلاح وأنواع الْعُلُوم مِنْهُ وَكلما ازْدَادَ فِي ذَلِك بَصِيرَة وَقُوَّة وَمَعْرِفَة ازدادت صلَاته عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلِهَذَا كَانَت صَلَاة أهل الْعلم العارفين بسنته وهديه المتبعين لَهُ على خلاف صَلَاة الْعَوام عَلَيْهِ الَّذين حظهم مِنْهَا إزعاج أعضائهم بهَا رفع أَصْوَاتهم وَأما أَتْبَاعه العارفون بسنته وهديه المتبعين لَهُ على خلاف الْعَوام عَلَيْهِ الَّذين حظهم مِنْهَا إزعاج أعضائهم بهَا وَرفع أَصْوَاتهم وَأما أَتْبَاعه العارفون بسنته الْعَالمُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ فصلاتهم عَلَيْهِ نوع آخر فَكلما ازدادوا فِيمَا جَاءَ بِهِ معرفَة ازدادوا لَهُ محبَّة وَمَعْرِفَة بِحَقِيقَة الصَّلَاة الْمَطْلُوبَة لَهُ من الله تَعَالَى
وَهَكَذَا ذكر الله سُبْحَانَهُ كلما كَانَ العَبْد بِهِ أعرف وَله أطوع وَإِلَيْهِ أحب كَانَ ذكره غير ذكر الغافلين اللاهين وَهَذَا أَمر إِنَّمَا يعلم بالْخبر لَا بالْخبر وَفرق بَين من يذكر صِفَات محبوبه الَّذِي قد ملك حبه جَمِيع قلبه ويثني عَلَيْهِ وَبهَا ويمجده بهَا وَبَين من يذكرهَا إِمَّا أَمارَة وَإِمَّا لفظا لَا يدْرِي مَا مَعْنَاهُ لَا يُطَابق فِيهِ قلبه لِسَانه كَمَا أَنه فرق بَين بكاء النائحة وبكاء الثكلى فَذكره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر مَا جَاءَ بِهِ وَحمد الله سُبْحَانَهُ على إنعامه علينا ومنته بإرسالة هُوَ حَيَاة الْوُجُود وروحه كَمَا قيل
(روح الْمجَالِس ذكره وَحَدِيثه ... وَهدى لكل ملدد حيران)

الصفحة 452