كتاب جلاء الأفهام

وحذفه قَلِيل وَأما أَن يحذف حذفا مطرداً وَلم يذكرهُ فِي مَوضِع وَاحِد وَلَا فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يَقع فِي الْقُرْآن
الثَّالِث أَن فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / < وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سَلاما > / بِالنّصب وَهَذَا وَهَذَا يدل على إِن الْمَتْرُوك هُوَ السَّلَام نَفسه
الرَّابِع أَنه لَو كَانَ السَّلَام مُنْقَطِعًا مِمَّا قبله لأخل ذَلِك بفصاحة الْكَلَام وجزالته وَلما حسن الْوُقُوف على مَا قبله وَتَأمل هَذَا بِحَال السَّامع إِذا سمع قَوْله {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} كَيفَ يجد قلبه متشوقا متطلعاً إِلَى تَمام الْكَلَام واجتناء الْفَائِدَة مِنْهُ وَلَا يجد فَائِدَة الْكَلَام انْتَهَت وتمت لِيَطمَئِن عِنْدهَا بل يبْقى طَالبا لتمامها وَهُوَ الْمَتْرُوك فالوقف على {الآخرين} لَيْسَ بوقف تَامّ
فَإِن قيل فَيجوز حذف الْمَفْعُول من هَذَا الْبَاب لِأَن ترك هُنَا بِمَعْنى أعْطى لِأَنَّهُ اعطاه ثناءا حسنا أبقاه عَلَيْهِ فِي الآخرين وَيجوز فِي بَاب أعْطى ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أَحدهمَا وَقد وَقع ذَلِك فِي الْقُرْآن كَقَوْلِه {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فذكرهما
وَقَالَ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} اللَّيْل 5 فحذفهما
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبك} الضُّحَى فَحذف الثَّانِي وَاقْتصر على الأول
وَقَالَ {يُؤْتونَ الزَّكَاة} فَحذف الأول وَاقْتصر على الثَّانِي قيل فعل الْإِعْطَاء فعل مدح فلفظه دَلِيل على أَن الْمَفْعُول الْمُعْطى قد ناله عَطاء الْمُعْطى والإعطاء إِحْسَان ونفع وبر فَجَاز ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أَحدهمَا بِحَسب الْغَرَض الْمَطْلُوب من الْفِعْل فَإِن كَانَ الْمَقْصُود إِيجَاد مَاهِيَّة الْإِعْطَاء

الصفحة 459