كتاب الإشاعة لأشراط الساعة

وحينئذ فنقول: أما طلحة، والزبير، وعائشة رضي الله عنهم فهم مُجتهدون قطعًا؛ لأنهم لم يطمعوا في الخلافة، ولم يكونوا جَاهلين بفضل أمير المؤمنين عليّ - رضي الله عنه - وعلمه وقرابته وسابقته، وإنما حملهم على ذلك طلب دم عثمان - رضي الله عنه - لِمَا أَدّى إليه اجتهادهم من وجوب قتلهم على الإمام، وكان أمير المؤمنين عليّ - رضي الله عنه - ينتظر مُحاكمة الورثة إليه، وإقامة البينة على القاتل.
وقد كان طلحة والزبير رضي الله عنهما من أهل بدر، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعمر في قصة حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -: "وما يُدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟ ! ".
وقال لغلام حاطب حين شكاه إليه: يا رسول الله؛ إن حاطبًا يدخل النار، قال: "كذبت، لا يدخل النار؛ إنه شهد بدرًا والحديبية"، ولأنهما من العشرة المبشرين بالجنة، وبشارته - صلى الله عليه وسلم - حق، ولأنهما رجعا عن الخروج وتابا.
أما الزبير - رضي الله عنه -: فحين ذَكّره عَليٌّ - رضي الله عنه - بالحديث ترك القتال، وخرج من العسكرين.
وأما طلحة - رضي الله عنه -: فبعدما جُرح وأُثْخِنَ، مرَّ به رَجلٌ من أصحاب علي - رضي الله عنه - فسأله: ممن أنت؟ قال: من أصحاب علي. قال: مُدَّ يدك أبايعك عن علي. فلما سمع علي - رضي الله عنه - ذلك قال: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أبى الله أن يَدخُل طلحة الجنة إلَّا وبيعتي في عنقه. كما تقدم.
وقال: أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}. وَأكرم ابن طلحة، وَردّ عليه جميع ماله.
وأما عائشة رضي الله عنها: فإنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة؛ كما ثبت في "الصحيح"، ولأنها أرادت الرجوع من الطريق حين سمعت كلاب حوأب نبحتها، وتذكرت الحديث.
فقالوا: بل تَقدّمين، لعل الله أن يُصلح بك ذات بين المسلمين، فما قصدت إلَّا الصُّلح لا الفساد. وإنما قَتلةُ عثمان - رضي الله عنه - أنشبوا الحرب خِيفةً على أنفسهم،

الصفحة 133