كتاب الإشاعة لأشراط الساعة

الفتن تَعُمّ الدنيا كلها كما مر في خروج المهدي، ويبقى أهل المدينة مع المهدي، فيأرز الدين إلى المدينة حينئذ؛ لأنهم المؤمنون الكاملون التابعون للخليفة الحق، فإنه إذا كان الإمام الحق موجودًا فمن لم يعرفه، ولم يبايعه مات مِيتةً جاهلية، فهذا محط: "إن الدين ليأرز إلى المدينة".
ثم إنها تنفي خبثها في زمن الدجال، وتخرج منافقيها ويبقى فيها الإيمان الخالص، بخلاف بيت المقدس وغيرها من البلدان؛ فإنه يبقى فيهم أهل الذمة والمنافقون؛ لأنهم إنما يؤمنون بعد نزول عيسى عليه السلام، وهذا محط حديث جابر - رضي الله عنه -: "حتى لا يكون إيمان إلَّا بها"؛ أي: إيمان خالصٌ لا يشوبه نفاق.
ثم إنه تجيء الريح الباردة -الآتية فيما بعد-، فتقبض كل مؤمن ومؤمنة، وإنها تأتي من الشام أو من اليمن، أو من كليهما؛ كما جُمِعَ به بين الروايتين، ولا شك أن التي تأتي من الشام تبدأ بأهل الشام، وأن التي تأتي من اليمن تبدأ بأهل اليمن، فلا تنتهيان إلى المدينة إلا بعد هلاك أهل الإقليمين من المؤمنين، فيكون آخر من يُقبض من المؤمنين أهل المدينة، وهذا محط حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي عند النسائي، والترمذي، وابن حبان المارّ.
ثم إنها حينئذ لا يكون بها غير المؤمنين؛ لأنها تخلصت في زمن الدجال، فبمجرد موتهم تخرب، وتبقى بقية الدنيا عامرة بشرار الناس، وعليهم تقوم الساعة، كما يأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وهذا مما ظهر لي عند كتابتي لهذا المحل، ولعله ليس بعيدًا عن الصواب، ولم أقف في كلام أحدٍ عليه، فإن يكن خطأ فهو مني لا من أحد، ونسأل الله السداد.
وإنما ذكرته هنا وإن كان يصلح أن يذكر بعد طلوع الشمس من مغربها والدابة أيضًا؛ لأن ابتداء خرابها بالخروج عنها كما دلت عليه الأحاديث، والخروج يكون في زمن عيسى عليه السلام، فلهذا ذكرناه هنا، والله أعلم.

الصفحة 294