كتاب الإشاعة لأشراط الساعة

هو التقسيم المذكور في الحديث، فإن الذي في الحديث ورد علي القصد من الخلاص من الفتنة، فمن اغتنم الفرصة سار علي فسحة من الظّهر، ويُسرة في الزاد، راغبًا فيما يستقبله، راهبًا مما يستدبره، وهؤلاء هم الصنف الأول في الحديث.
فمن تواني حتي قل الظهر، وضاق أن يسعهم لركوبهم اشتركوا أو ركبوا عقبة، فيحصل اشتراك الاثنين في البعير الواحد، وكذا الثلاثة يمكنهم كل من الأمرين.
وأما الأربعة فالظاهر من حالهم التعاقب، وقد يمكن الاشتراك إذا كانوا خِفَافًا أو أطفالًا.
وأما العشرة فبالتعاقب لا غير.
وسكت عما فوقها إشارةً إلى أنها المنتهي في ذلك، وعما بينها وبين الأربعة إيجازًا واختصارًا، وهؤلاء هم الصنف الثاني في الحديث.
وأما الصنف الثالث: فعبر عنه بقوله: "تحشر بقيتهم النار"؛ إشارةً إلى أنهم عجزوا عن تحصيل ما يركبونه، ولم يقع في الحديث بيان حالهم، بل يحتمل أنهم يمشون أو يسحبون فرارًا من النار.
ويؤيد ذلك: ما وقع في آخر حديث أبي ذر - رضي الله عنه - الذي تقدمت الإشارة إليه في كلام المعترض، وفيه أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين، فقال: تُلقي الآفة علي الظهر حتي لا يبقي ذات ظهر، حتي إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف -أي: الناقة- المسن ذات القتب؛ أي: يشتريها بالبستان الكريم؛ لهوان العقار الذي عزم علي الرحيل عنه، وعزة الظهر الذي يوصله إلى مقصوده، وهذا لائِقٌ بحال الدنيا دون الآخرة، مُؤكدٌ لما ذهب إليه الخطابي وغيره.
ويتنزل علي وفق حديث الباب؛ يعني: حديث "المصابيح"، وهو أن قوله: "فوج طاعمين كاسين راكبين" مُوافقٌ لقوله: "راغبين راهبين".
وقوله: "وفوج يمشون"، مُوافقٌ للصنف الذين يتعاقبون علي البعير؛ فإن صفة المشي لازمة لهم.
وأما الصنف الذين تحشرهم النار فهم الذين تسحبهم الملائكة.

الصفحة 338