كتاب الإشاعة لأشراط الساعة

ومنها: وقعة صفين:
وقد صَحّ: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، تكون بينهما مَقتلةٌ عَظِيمةٌ، دعواهما واحدة" (¬1).
وعن عطاء بن السائب قال: حدثني غير واحد: أنَّ قاضيًا من قُضاة الشام أتى عمر - رضي الله عنه -، فقال: يا أمير المؤمنين؟ رأيت كأنَّ الشمس والقمر يقتتلان، والنجوم معهما نصفين. قال: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر على الشمس. فقال عمر - رضي الله عنه -: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} انطلق فوالله لا تَعملُ لي عملًا أبدًا.
قال عطاء: فبلغني أنه قُتل مع معاوية - رضي الله عنه - يوم صِفّين.
وسببها بالاختصار: أنه لما قُتل عثمان - رضي الله عنه -، وبويع علي - رضي الله عنه - أرسل إلى معاوية - رضي الله عنه - أن يَدْخُل فيما دخل فيه المسلمون، وينعزل عن العمل، وكان عاملًا لعمر، ثم لعثمان رضي الله عنهما على الشام، وكان يرجو أن يُبقيه علي - رضي الله عنه - على عمله، وقد كان الحسن بن علي، وابن عباس رضي الله عنهم، وغيرهما أشاروا عليه بإبقائه على الشام حتى يأخذ له البيعة، ثم يقول فيه ما شاء، فقال: هيهات، لو علمت أنَّ المُدَاهنة تسعني في دين الله؛ لفعلت، ولكن الله لم يرض لأهل القرآن بالمُدَاهنة.
فبلغ معاوية - رضي الله عنه -، فحلف أنه لا يلي لعلي - رضي الله عنه - عملًا أبدًا، وكان
¬__________
(¬1) وكذا حمل الحديث على صفين: القاري (5/ 154) "المرقاة". والأوجه عندي حرب الدول الحادث التي يسمونها الحرب العالمية، فإن الفئتين كانتا أعظم ما تكون، ودعواهما كان توريث الأمن في العالم. اهـ (ز).
تعليق: إنما حمل الشيخ الحديث على الحرب العالمية الثانية؛ لإطلاق الحديث، فإنَّ في صِفّين كانت دعوى الفريقين مختلفة، فأما فئة سيدنا معاوية - رضي الله عنه - فكانت تطالب بالقصاص من قتلة سيدنا عثمان - رضي الله عنه -، وأما مطلب فئة سيدنا علي - رضي الله عنه - فكان تثبيت الأمن، وتوحيد الصف. وكذا فنص الحديث يذكر كون الفئتين عظيمتين، وهذا يصدق على ما حدث في الحرب العالمية؛ فإنَّ الدنيا انقسمت إلى فئتين؛ كما لا يخفى.

الصفحة 52