كتاب الإشاعة لأشراط الساعة

وهمه الشُّكْرُ، يَبيتُ حَذِرًا من سِنَة الغفلة، ويصبح فرحًا بما أصاب من الفضل والرحمة، رغبته فيما يبقى، وزهادته فيما يفنى، وقد قرن العلم بالعمل، والحلم بالعلم، دائمًا نشاطه، بعيدًا كسله، قريبًا أمله، قليلًا زلله، متوقعًا أجله، خاشعًا قلبه، ذاكرًا ربه، قانعة نفسه، مُحرزًا دينه، كَاظِمًا غيظه، آمنًا منه جاره، سهلًا أمره، معدومًا كبره، بيِّنًا صبره، كثيرًا ذكره، لا يعمل شيئًا من الخير رياءً، ولا يتركه حياءً.
أولئك شيعتنا وأحبتنا، ومنا ومعنا، ألا ما أشوقنا إليهم! .
فصاح همام صيحةً فوقع مغشيًا عليه، فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا، فغُسِل وصَلى عليه أمير المؤمنين ومن معه رحمه الله.
فهؤلاء هم شيعته، لا من لا يَعْلَمُ من دينه إلا حلق اللحية أو قصها، وتعمير القدرة بالتنباك ومصها، وسبَّ الشيخين وبغضهما، ورفع النَّصير المُنَجّم وخفضهما، والطعن على الصحابة والصدر الأول، والتمسك بأكاذيب ما عليها معول، ونسبة أُم المؤمنين الصديقة عائشة رضي الله عنها المبرأة في بِضْعِ عشرة آية من القرآن إلى الفاحشة.
ولنِعْمَ ما قال زين العابدين علي بن الحسين السجاد - رضي الله عنه - لجماعة نالوا من الصحابة عنده: هل أنتم من المهاجرين {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا. . .} الآية؟ ، قالوا: لا.
قال: هل أنتم من {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ. . .} الآية؟ ، قالوا: لا. قال: فأنا أشهد بين يدي الله يوم القيامة أنكم لستم من الذين جاؤوا من بعدهم يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}، فمن أنتم؟ !
نسأل الله العفو والعافية في الدارين، ونعوذ به من الخذلان والمكر والاستدراج، ومن يضلل الله فما له من هاد.

الصفحة 95