كتاب تفسير العثيمين: الأحزاب

ومن المَعلوم أننا إذا قُلْنا: فِعْل أَوامِر اللَّه تعالى، (أَوامِر) مُضاف إلى اللَّه تعالى: أن الإنسان سيَنوِي بهذا الفِعْلِ امتِثال أَمْر اللَّه تعالى، وكذلك إذا قُلنا: اجتِنابُ نَهي اللَّه تعالى، فإن الإنسان سيَجتَنِبه؛ لأن اللَّه تعالى نهَى عنه؛ لأن مجُرَّد الفِعْل بدون نِيَّة ليس بتَقوَى، ومُجرَّد التَّرْك بدون نِيَّة ليس بتَقوَى، لكن لمَّا كان الفِعْل والتَّرْك مُضافًا إلى اللَّه تعالى صار لا بُدَّ فيه من نِيَّة.
قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} فيما يُخالِف شَريعتك]، عَطْف قولِه: {وَلَا تُطِعِ} على {اتَّقِ اللَّهَ} من باب عَطْف الخاصِّ على العامِّ؛ لأن تَرْك طاعة هؤلاء من تَقوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فيَكون عَطْفه على التَّقوى من باب عَطْف الخاصِّ على العامِّ، وهذا كثير في القُرآن والسُّنَّة وكلام العرَب.
قوله: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} الكافِر هو الذي صرَّح بكُفْره وأَعلَنَه، وأمَّا المُنافِق فهو الذي أَخفَى كُفْره، وأَظهَر أنه مُؤمِن، فمن أين اشتُقَّ الكُفْر أو الكافِر؟
يَقولون: إن الكُفْر في الأصل: السَّتْر، ومنه: (الكُفُرَّة) وهو غِلاف الطَّلْع؛ لأنه يَستُرُه، هذا في الأصل، وسُمِّيَ الذي لا يُؤمِن باللَّه تعالى كافِرًا؛ لأنه سَتَر نِعْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وجَحَد شَريعته، فصار بذلك ساتِرًا للحَقِّ، وساتِرًا للنِّعْمة التي أَنعَمَ اللَّه تعالى بها عليه.
وأمَّا النِّفاق فإنه مَأخوذ من نافِقاء اليَرْبوع، واليَرْبوع: الدُّويْبة المَعروفة، تَتَّخِذ بيتًا في الأرض وتَحفُر الجُحْر، وتَجعَل له بابًا، وتَجعَل في آخِرِه بابًا مُغلَقًا بشيء من التُّراب، بمَعنَى: أنها تَحفُر فإذا وصَلَتْ إلى مُنتَهى الجُحْر حَفَرَت، إلى أن يَبقَى عليها شيء قليل من طبَقة الأرض، بحيث إذا دفَعه برَأْسه انفَتَح، هذه هي النافِقاء، ويَصنَع ذلك لأَجْل ما إذا فُجِئ من باب الجُحْر خرَج من هذا، فهكذا المُنافِق، إذا خُوطِب

الصفحة 13