كتاب تفسير العثيمين: الأحزاب

السبَب الأوَّل: التَّبرُّك بالبَداءة بسم اللَّه.
والسبَب الثاني: الدَّلالة على الحَصْر، لأن تَأخير العامِل يَدُلُّ على الحَصْر، أو بعِبارة أعمَّ: لأن تَأخير ما حَقُّه التقديمُ يَدُلُّ على الحَصْر.
إذن: نَقول في البَسْملة: كلَّما جاءت مُتعلِّقة بمحذوف، ويُقدَّر هذا المَحذوفُ فِعْلًا خاصًّا مُتأخِّرًا، أمَّا عندما تُريد أن تَتَوضَّأ، فتُقدِّر: بسم اللَّه أَتَوضَّأ، وعندما يُريد الإنسان أن يَذبَح ذبيحة، يَقول: التقدير: باسْمِ اللَّه أَذبَحُ، وعلى هذا فقِسْ.
يَقول المفسر (¬١): [بسم اللَّه الرحمن الرحيم] وهنا (اسْمِ) مُضاف للَفْظ (اللَّهِ) وهو مُفرَد فيُفيد العموم، ولهذا قَدَّره الشُّرَّاح بأن المَعنى: بكلِّ اسم من أسماء اللَّه تعالى.
والاسم مَأخوذ من السُّمُوِّ وهو الارْتِفاع، وقيل: من السِّمة وهي العَلَامة، ولو قيل بأنه مَأخوذ من هذا وهذا لم يَكُن بعيدًا؛ لأنه يُظهِر المُسمَّى فيَكون فيه مَعنَى الارتفاع، ولأنه يُميِّزه فيَكون فيه مَعنَى العلامة.
(اللَّه) علَمٌ على ذات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وهو أصل الأَعلام، وأسماء اللَّه تعالى -كما نَعرِف- أعلام وأَوْصاف، لكن أصلها كلِمة (اللَّه)، ولهذا تَأتي الأسماء دائِمًا تبَعًا لها، فهي الأصل، وربما تَأتي لفظ الجلالة تابِعةً لغيرها من الأسماء، مثل {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ}، فهنا تَأتي (اللَّه) تابِعةً لما قبلها.
وقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان مُشتَقَّان من الرحمة، لكن الأوَّل منهما يَدُلُّ على الرحمة باعتِبارها وصفًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ، والثاني يَدُلُّ على الرحمة باعتِبارها فِعْلًا له، فهو
---------------
(¬١) المقصود بـ (المُفَسِّر) هنا: محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم جلال الدين المحلي، المتوفى سنة (٨٦٤ هـ) رَحِمَهُ اللَّهُ، ترجمته في: الضوء اللامع (٧/ ٣٩)، حسن المحاضرة (١/ ٤٤٣).

الصفحة 8