كتاب تفسير العثيمين: الأحزاب

رحمن وهو رحيم، مُتَّصِف بالرحمة، وفاعِل للرحمة، يَعنِي: أنه عَزَّ وَجَلَّ مع كونه رحيمًا فإنه يَرحَم، وهذا الذي قرَّرْته هو ما قرَّره ابنُ القيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ في الفَرْق بين الرحمن وبين الرحيم (¬١).
وإن كان بعضُ العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ يُفرِّق بينهما بأن الرحمن ذو الرحمة العامَّة، والرحيم ذو الرحمة الخاصَّة، وَيقول: إنه يَدُلُّ على ذلك قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}، لكن المعنى الذي أَشار إليه ابنُ القَيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ أَبلَغُ وأَحسَنُ؛ ولهذا جاءت (الرحمن) على وَزْن (فَعْلان)، وهذا الوزنُ يَدُلُّ غالِبًا على السَّعة والامتِلاء، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واسِع الرحمة، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرحَم مَن يَشاء، كما قال تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ}.
والبسملة آية من كِتاب اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، تَأتي في مُبتَدَأ كلِّ سورة، إلَّا في سورة (براءَة)، فإنه ليس فيها بَسْملة، وذَكَر أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ أن سبب سُقوط البَسمَلة في (براءة) أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أَشْكَلَ عليهم: هل هي من سورة الأَنفال أو هي سُورة مُستَقِلَّة؟ فجعَلوا بينهما فاصِلًا، ولم يَكتُبوا: بسم اللَّه الرحمن الرحيم (¬٢). وهذا واضِح.
لكن أَوْضَحُ منه أنه لو كانت البَسمَلة قد نزَلَتْ بين سورة الأنفال و (براءة) لم يُمكِن أن تَسقُط؛ لأن اللَّه تعالى يَقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، لكن لمَّا أَشْكَل على الصحابة هل (براءة) مُستَقِلَّة، أو من سورة الأَنفال وضَعوا الفاصِل فقط.
---------------
(¬١) انظر: مدارج السالكين (١/ ٥٦).
(¬٢) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٥٧)، وأبو داود: كتاب الصلاة، باب من جهر بها -أي البسملة-، رقم (٧٨٦)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٨٦)، من حديث عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-.

الصفحة 9