كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 15)

-سنة ثمان وستين وستمائة
دخل السّلطان القاهرة في صَفَر، ثمّ بعد أيّام توجّه إلى الإسكندريّة، ومعه ولده الملك السّعيد، فتصيّد وعاد إلى مصر، وخلع على الأمراء، وفرق -[26]-
فيهم الخيل والمال.
وتوجه إلى الشام في الحادي والعشرين من ربيع الأوّل في طائفةٍ يسيرة من الأمراء، وقاسوا مَشَقَّةً من البرد، بلغه أنّ ابن أخت زيتون الملك خرج من عكّا في عسكر، يقصد عسكر صفد، فسار السّلطان واجتمع بعسكر صفد بمكانٍ عيَّنه، ثمّ سار إلى عكّا فصادف ابن أخت زيتون قد خرج فكسره وأسَرَه في جماعةٍ من أصحابه، وقتل من عسكره مقتلة، ثمّ أغار على المَرقب فصادف أمطارًا وثلوجًا، فرجع إلى حمص، وأقام بها نحْوًا من عشرين يوماً.
ثمّ سار إلى تحت حصن الأكراد وأقام يسير كلّ يوم نحوها، ويعود من غير قتال، فبلغه أنّ مراكب الفرنج وصلت إلى ميناء الإسكندريّة، وأخذت مركبين للمسلمين، فرحل لوقته وساق فدخل القاهرة في ثاني عشر شعبان.
وفيها قدِم صارم الدّين مبارك بن الرَّضي مقدَّم الإسماعيليّة بهديّةٍ إلى السّلطان، وشفع فيه صاحب حماة، فكتب له السّلطان بالنّيابة على حصون الإسماعيليّة، على أنْ تكون مِصْياف وبلدها خاصًّا للملك الظّاهر، وبعث السّلطان معه نائبًا من جهته على مِصْياف وهو عزّ الدّين العديميّ، فلمّا وصلوا امتنع أهل مِصْياف، وقالوا لا نسلّمها للصّارم فإنّه كاتَبَ الفرنج ونحن نسلّمها للعديميّ؛ وقالوا له: تعال إلينا من الباب الشّرقيّ، فلمّا فتحوا له هجم معه الصّارم وبذل السّيف وقتل منهم خلْقًا وتسلَّم هو والعديميّ القلعة، ثمّ غلب الصّارم على البلد، وأزال عنه يد العديمي.
واتفق مجيء نجم الدّين حسن ابن الشّعرانيّ إلى السّلطان، ومعه تقدمه سنِيّه، فقدّمها عند حصن الأكراد، فكتب له السّلطان بالقلاع وهي: الكهف، والخوابي، والعُلّيقة، والرصافة، والقَدْمُوس، والمَيْنَقَة، ونصف جبل السُّمّاق، وقرَّر عليه أن يحمل في كلّ سنة مائة وعشرين ألف درهم، ثمّ أخرج الصّارم من مصياف نائب السّلطان وعصى، فسار إليه صاحب حماة فنزل الصّارم وذلّ، ثمّ عاد إليها العديميّ وحُمِل الصّارم إلى مصر فحبس بها. -[27]-
وفيها أُبْطِلت الخمور وأُريقت بدمشق، وشدّد في ذلك الشّيخ خضر الكُرديّ شيخ السّلطان، وسعى في إعدامها بالكُلّيّة، وكَبَس دُور النّصارى واليهود، وكتبوا على أنفسهم بعد القسامة أنّه لم يبق عندهم منها شيء.
وفيها جاء جرادٌ عظيم إلى الغاية بالشّام وإلى الديار المصرية وإلى الحجاز.
وفيها ولي الصاحب تاج الدّين ابن فخر الدّين ابن حنى وزارة الصُّحْبة على ما كان عليه والده.
وفي ذي الحجّة أمر السّلطان بعمل جسرَين بسلاسل ومراكب على النّيل إلى الجيزة لمّا بلغه حركة الفرنج ليجوز الجيش عليهما إلى الإسكندرية إن دهم عدو، ثمّ تواترت الأخبار بنزول الفرنج على تونس.
وفيها سار أبغا لينصر أخاه على بُرَق بعد أن جمع الجيوش، وسار بهم نحو شهرين، والتقوا على النّهر الأسود، فكُسر عسكر بُرَق كسرةً عظيمة، وساقوا خلفهم ولزّوهم إلى الجسر، فازدحموا وتساقطوا في البحر، وردّ أبْغا إلى أرضه، ووقع في عسكره الوباء فمات منهم خلق.

الصفحة 25