كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 15)

37 - أبو بكر الدَّيْنَوَريّ، الرجل الصّالح صلاح الدّين صاحب الشّيخ عزيز الدّين عمر الدينوري. [المتوفى: 661 هـ]
وهو الّذي بنى له الزّاوية بالصّالحيّة، وصار هو وجماعته يذكرون فيه عقِب الصُّبْح بأصواتٍ طيّبة، فلمّا مات الشّيخ رحمه الله بقي الصّلاح يقوم بعْدَه بهذه الوظيفة، وعاش إلى هذا الوقت، ومات في ذي القعدة.
38 - أبو الهيجاء بن عيسى بن خشترين، الأمير الكبير مجير الدّين ابن الأمير الكبير حسام الدّين الكردي. [المتوفى: 661 هـ]
كان أحد الشجعان وله اليدُ البَيْضاء يوم عين جالوت، ثمّ رتّبه الملك المظفّر قُطُز مُشارِكًا للحلبيّ في نيابة دمشق في الرّأي والتّدبير، وكان أبوه أكبر أمير عند الملك الظّاهر صاحب حلب.
تُوُفّي مُجِير الدّين في شعبان بدمشق.
39 - ملك الفرنج الفَرَنْسيس، [المتوفى: 661 هـ]
الّذي قصد دمياط نَوْبَة المنصورة.
كان مُتَّسع الممالك، كثير الجيوش والبلاد، عالي الهِمَّة، ذا رأي ودهاء وأموالٍ وحَشَم، أسره المسلمون يوم المنصورة فقِّيد وحُبِس في دارٍ كان ينزلها فخر الدّين ابن لُقْمان الكاتب، ورسّم عليه الطّواشيّ صبيح المعظَّميّ، ثمّ استفَكّ نفسَه بأموالٍ عظيمة، وفي ذلك يقول ابن مطروح:
وقل لهم إنْ أضمروا عَوْدةً ... لأخذ ثأرٍ أو لقصدٍ صحيح
دارُ ابن لقمان على حالها ... والقيد باقٍ والطواشي صبيح
وكان هذا الملعون في همّته أن يستعيد القدس، وكان هلاكه بظاهر مدينة تونس، فإنّه قصدها وبها المستنصر بالله محمد بن يحيى بن عبد الواحد، وكاد أن يملكها، فأوقع الله الوباء في جيشه فهلك هو وجماعةٌ من ملوك الفرنج -[48]-
ورجع الباقون خائبين، وقيل: إن أهل تونس تحيّلوا حتّى سمّوه، وأراح الله الإسلام منه.
ولقد كاد أن يستولي على إقليم مصر، فإنّه نَازَل دِمياط، فهرب منه العسكر الّذي تجاهها لحِفْظها، فلمّا رأى المقاتلة الّذين بها وأهلها هروب العسكر تبِعُوهم هاربين تحت اللّيل، بحيث أنّ دمياط أصبحت وما بها أحد، وتسلَّمتها الفرنج بلا ضربةٍ ولا طعنةٍ ولا امتناع لحظةٍ بذخائرها وعدّتها وخيرها، وكان ما قد ذكرناه من الحوادث، فبقيت في أيديهم نحواً من سنةٍ ونصف، والفرنسيس ويُدعى ريذافرنس، نازل بجموعه يحامي عنها والمسلمون منازلوه مدَّةً طويلة، يستظهر عليهم ويستظهرون عليه، إلى أن كان الظَّفر للإسلام آخر شيء وقُتِل خلائق من الفرنج لا يحصون، ووقع هو في أسر المسلمين، ثم استفك نفسه بدمياط وبجملةٍ من الذهب.
قال ابن واصل: دخل إليه حسام الدّين ابن أبي علي وهو مقيد بالمنصورة فحاوره طويلاً حتى وقع الاتفاق على تسليم دمياط، ويُطلق هو ومن معه من كبراء الفرنج، فحكى لي حسام الدّين، قال: كان فَطِنًا عاقلًا، قلت له: كيف خطر للملك مع ما رأى من عقله وفضله وصحّة ذِهنه أن يُقْدِم على خشب، ويركب في هذا البحر، ويأتي هذه البلاد المملوءة من عساكر الإسلام، ويعتقد أنّه يحصل له تملُّكها، وفيما فعل غاية الغَرر؟ فضحك ولم يُحِرْ جوابًا، وقلت: ذهب بعض فُقهائنا أنّ من ركب البحر مرّةً بعد أخرى مغرّرًا بنفسه أنّه لا تُقْبَل شهادته؛ لأنّه يستدلّ بذلك على ضعف عقله، قال: فضحك، وقال: لقد صدق هذا القائل وما قصّر فيما حكم به.
ولما أفرج عن ريذافرنس وأصحابه أقلعوا إلى عكّا، وأقام بالسّاحل مدّةً وعمّر قَيْسَاريّة، ثمّ رجع إلى بلاده وأخذ يجمع ويحشد إلى هذا الزّمان، وأراد قصد بلاد الإسلام ثانيًا، ثمّ فتر عن قصْد مصر وقصد بلد إفريقية؛ ذلك أنّه مَن مَلَك بلاد المغرب تمكّن من قصد مصر في البرّ والبحر، ويسهُل عليه -[49]-
تملُّكها، فنازل تونس إلى أن كاد يملكها، ولكنّ وقع الوباء في جيشه فهلك هو وجماعةٌ من ملوكهم، كما ذكرنا.

الصفحة 47