كتاب تاريخ الإسلام ت بشار (اسم الجزء: 15)

52 - سليمان بن المؤيَّد بن عامر المقدِسيّ العَقْربائيّ الطّبيب، الزَّين الحافظيّ. [المتوفى: 662 هـ]
رئيس فاضل، حَسَن المشاركة في الأدب والعِلْم، زِنْدِيق، خدم المَلك الحافظَ صاحبَ جَعْبَر بالطّبّ، وإليه يُنْسَب، ثمّ خدم الملك النّاصر يوسف، وارتفعت منزلته، وأُعطي إمْرةً وطبلخاناه من التّتار.
حدَّثني الرّشيد الرّقيّ الأديب، قال: كنت أقابل معه في " صحاح الجوهريّ " فلمّا أمّروه قلت، وأنشدته:
قيل لي: الحافظيّ قد أمّروه ... قلت: ما زال بالعلاءِ جديرا
وسُلَيمان من خصائصه المُلْـ ... ـكُ فلا غَرْوَ أن يكونَ أميرا
وقال قُطْب الدّين: فيها قُتِل الزَّين الحافظيّ بين يدي هولاكو في أواخرها بعْد أنْ أحضره وقال: قد ثبت عندي خيانتُك وتلاعُبُك بالدُّول خدمتُ صاحبَ بَعْلَبَكّ طبيبًا، وصاحبَ قلعة جَعْبَر الحافظ، والملكَ النّاصرَ، فخُنْتَ الجميع، ثمّ انتقلتَ إليَّ، فأحسنتُ إليك، فشَرَعْتَ تُكَاتِبُ صاحبَ مصر وعدَّدَ ذُنُوبَه ثمّ قتله وقتل أولاده وأقاربه، وكانوا نحوًا من خمسين، ضُرِبت أعناقُهم.
وكان من أسباب قتله كتبٌ سعى الملك الظّاهر في إرسالها إليه من مصر بحيث وقعت في يد هولاكو، وأمّا خيانته في الأموال وأخْذه البرطيل وجناياته في الإسلام فكثيرة، يعني أيّام التّتار بدمشق، قال: ولم تكن الإمرة لائقة به.
وللموفَّق أحمد بن أبي أُصيبعة فيه:
وما زال زَيْنُ الدّين في كُلِّ منصبٍ له ... في سماء المجد أعلى المراتبِ
أميرٌ حَوَى في العِلْم كلَّ فضيلةٍ ... وفاقَ الوَرَى في رأيِهِ والتّجاربِ
إذا كان في طب فصَدْرُ مجالسٍ ... وإنْ كان في حربٍ فقلبُ الكتائبِ
ففي السَّلْمِ كم أحْيى وليًّا بطبِّه ... وفي الحربِ كم أفنى العِدَى بالقواضبِ -[54]-
قال الموفَّق: وما زال في خدمة الملك النّاصر، فلمّا جاءت التّتار بعثه رسولًا إلى هولاوو فأحسن إليه، واستمالوه حتّى صار جهتهم ومازجهم، وتردَّد في المراسلة، وطمَّع التّتار في البلاد، وصار يهِّول على الناصر أمرهم ويفخم مملكتهم، فلمّا ملكوا دمشق جعلوه بها أميرًا وكانوا يدعونه الملك زَيْن الدّين.
ومات في عَشْر السّبعين وهو ممّن قرأ على الدّخوار.
فمن تحيُّل الملك الظّاهر عليه أنّه استدعى أخاه العماد أحمد الأشتر من دمشق ثمّ أنعم عليه، وقرَّر له في الشهر خمسمائة دِرْهم، وأمره أن يكتب إلى أخيه كتابًا يعرّفه فيه نيّة السّلطان له، وأنّه ما له عنده ذَنْب، وأنّه كارهٌ لإقامته عند التّتار، ويلتمس أن يكون مِناصحًا له، فلمّا وصلت إليه الكُتُب حملها إلى هولاكو وقال: إنّما قصد الظّاهر أن يغيّرك عليّ: فتأذَن لي أنْ أكاتب أمراءه لأكيده، فلم يرَ هولاكو ذلك، ثم تخيل منه.

الصفحة 53