كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 15)

فإن قيل: قد حل له أن يأخذ من الزكوات والكفارات؛ فوجب أن يجوز له أن يكفر بالصوم؛ كالقسم قبله.
فالجواب: أنه يأخذ لحاجة مختصة بمكانه، والكفارة معتبرة بإمكانه.
فإن قيل: أليس المتمتع في الحج إذا كان معسراً بمكة، موسراً ببلده، يكفر بالصوم؛ فهلا كان هذا مثله؟
فجوابه: أن مكان الدم مستحق بمكة، فاعتبر يساره وإعساره بها، ومكان الكفارة مطلق؛ فاعتبر يساره وإعساره على الإطلاق.
قال: والصوم ثلاثة أيام [للآية.
قال:] والأولى: أن تكون متتابعة؛ ليخرج من خلاف أبي حنيفة وأحد القولين عندنا.
قال: فإن فرقها، ففيه قولان:
أصحهما: أنه يجوز؛ عملاً بإطلاق الآية، وهذا هو المنصوص عليه في هذا الموضع وقال الإمام: إنه الجديد.
والقول الثاني: أنه لا يجوز، وهو ما نص عليه في كتاب الصيام، واختاره المزني، وهو الأصح في "التهذيب"؛ استدلالاً بقراءة ابن مسعود: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" وقراءة أبي: "فصيام ثلاثة أيام متتابعة"، والقراءة الشاذة تقوم مقام خبر الواحد في وجوب العمل، ولأنه صوم تكفير فيه عتق؛ فوجب أن يكون التتابع من شرطه ككفارة القتل والظهار، ولأن من أصل الشافعي حمل المطلق على ما قيد من جنسه؛ كما حمل العتق في كفارة اليمين على المقيد في كفارة القتل، وذلك يقتضي حمل إطلاق هذا الصيام على ما قيد من تتابعه في القتل والظهار.
وأجاب من قال بالأول عن القراءة الشاذة: بأنها إنما تجري مجرى خبر الواحد في وجوب العمل بها إذا أضيفت إلى التنزيل، أو إلى سماعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا أطلقت جرت مجرى التأويل.

الصفحة 13