كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 15)

لجاز الاقتصار على حيضة واحدة؛ لأنه يعلم بها براءة الرحم في الظاهر؛ فوجب أن نعتبر أكثر مدة الحمل لنعلم براءة الرحم بيقين.
وفي المسألة قول آخر مخرج من القديم- على ما حكاه أبو الفرج [الزاز-: أن] مدة التربص قبل الاعتداد بالأشهر أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر؛ لأنه تظهر أمارات الحمل في هذه المدة وإن لم تلد، وإذا لم تظهر اعتدت بالأشهر.
ثم على الأقوال كلها: لو كان انقطاع دمها بعد مضي قرء من العدة، لم تعتد به من المدة، والصحيح من القولين في أصل المسألة: الأول.
وفي "جمع الجوامع" للقاضي الروياني وغيره: أن بعض الأصحاب حكى أنه رجع عما قاله في القديم صريحاً.
وأجيب عن أثر عمر: بأنه محمول على امرأة بقي بينها وبين [سن الإياس] تسعة أشهر.
وعن حصول الضرر: بأن امرأة المفقود تتضرر أكثر ما تتضرره هذه، وقد كلفت الصبر حتى [يأتيها بيقين] طلاقه أو وفاته؛ كذا قاله القاضي الحسين.
ويمكن أن يفرق بينهما بأمرين:
أحدهما: أن الضرر هاهنا شامل للزوجين من غير تقصير من أحدهما، وفي المفقود الضرر خاص بالزوجة أو بهما، لكن الضرر اللاحق بالزوج من تقصيره، ولا يلزم من اعتقاد ضرر واحد اعتقاد ضررين.
الثاني: أن المفقود في كل وقت يمكن حضوره، وأطماع المرأة تمتد إليه؛ فلا يلحقها كبير ضرر، وهاهنا أطماعها منقطعة؛ فالضرر أشد، ويشهد لذلك ما ذكر في الإيلاء.
تنبيه: قول الشيخ: "إنها تقعد إلى أن تعلم براءة الرحم"، جار على حقيقته إذا قلنا: إنها تصبر أربع سنين، أما إذا قلنا: تسعة أشهر، فيكون قد أطلق "العلم" وأراد به "الظن"، وذلك جائز من طريق المجاز؛ قال الله تعالى-: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] أطلق "العلم" وأراد به "الظن".

الصفحة 42