كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 15)

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234]، ولا يرد علينا ما إذا كانت حاملاً بحمل يجوز أن يكون منه؛ لأن ذلك خرج بدليل؛ فبقينا فيما عداه على مقتضى الدليل الأول.
وقد استدل الشيخ في "المهذب" على عدة الحائل بالأربعة أشهر والعشر بالآية، وعلى عدة الحامل بحمل لا يجوز أن يكون من المتوفى: بأنه حمل لا يجوز أن يكون منه [فلم تعتد] به؛ كامرأة الكبير إذا طلقها، وأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العقد.
وما قاله فيه نظر من حيث إن المنقول عن أصحاب أبي حنيفة- على ما حكاه الإمام والقاضي الحسين-: أن العدة تنقضي عندهم في الصورة المقيس عليها بوضع الحمل، وأبو حنيفة هو المخالف في انقضاء عدة الوفاة به؛ فكيف يحسن القياس عليه؟ نعم، حكى الماوردي عنه: أنه وافقنا على أن الحمل لو ظهر بعد وفاة الصبي لا تعتد به عنه، بخلاف ما إذا ظهر قبل وفاته، فنقول: ولد لا يمكن أن يكون منه؛ فلم يقع الاعتداد به؛ كما لو ظهر بعد موته.
واعلم أن إطلاق الشيخ القول بأن الحائل تعتد بأربعة أشهر وعشر، يعرفك أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون من ذوات الأشهر أو من ذوات الأقراء، ولا بين أن تكون الوفاة بعد الدخول أو قبله؛ كما دل عليه إطلاق الآية، مع العلم بأن حال الزوجات في ذلك مختلف، وعدم التفصيل بين المدخول بها وغيرها، بخلاف الطلاق؛ فإن الله -تعالى- فصل فيه بين أن تكون المطلقة مدخولاً بها أو غير مدخول بها، ولا يمكن إلحاق عدة الوفاة بعدة الطلاق؛ لأمور:
منها: أن عدة الوفاة لو شرط فيها الدخول لم يؤمن أن تنكره؛ حرصاً على الأزواج مع عدم المنازع، وفي الطلاق صاحب الحق ينازع؛ فلا تتجاسر على الإنكار.
ومنها: أن فرقة الموت لا اختيار فيها؛ فأمرت بالتفجع وإظهار الحزن لفراق

الصفحة 51