كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 15)

قال: ويجب الإحداد في عدة الوفاة.
"الإحداد" و"الحداد": مأخوذ من "الحد" وهو: المنع؛ لأنها تمنع من الزينة، وما يدعو إلى المباشرة كالطيب ونحوه.
ويقال: أحدت المرأة، تحد إحداداً، وحدت: بضم الحاء، وكسرها، وحدت تحد حداداً، وهي حاد، ولا يقال: حادة.
والأصل في وجوب الإحداد: ما روى مسلم عن كل من زينب بنت جحش و [أم] حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ [الْآخِرِ أَنْ] تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً" هكذا استدل به بعضهم.
وقال مجلي: هذا الحديث لست أرى فيه دلالة على الوجوب؛ لأنه حرم الإحداد على الإطلاق، ثم [استثنى منه أربعة أشهر وعشراً، والاستثناء من التحريم إباحة؛ كما أن] استثناء الثلاث من التحريم إباحة.
قال الرافعي: لكن أجمع الأئمة على أنه أراد الوجوب، وأنه استثنى الواجب من الحرام.
قال القاضي الحسين: ويستدل بهذا الحديث على جواز الاستثناء من غير الجنس، وما قاله الأصحاب يعتضد بما سنذكره من حديث أم سلمة، وبما روى مسلم: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال: "لا"، مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: "لا"، ثم قال: "إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَاسِ الْحَوْلِ" انتهى.
ومعنى ترمي بالبعرة: أن المرأة كانت إذا توفي زوجها دخلت حفشاً- وهو البيت الصغير- ولبست خشن ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى

الصفحة 61