كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 15)
واحتج الشافعي ومالك بهذا الحديث على أن للمولى أن يقيم الحد على مملوكه، وهو قول الثوري والأوزاعي، وقد ذكرناه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يقيم الحد على أحد إلا الإمام.
والجواب عن هذا الحديث أنه ضعيف؛ لأن فيه عبد الأعلى الثعلبي وهو لا يحتج به.
فإن قيل: أخرج مسلم في "صحيحه" (¬1): من حديث أبى عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب قال: "خطب علي - رضي الله عنه - فقال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن؛ فإن أمة لرسول الله -عليه السلام- زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك لرسول الله -عليه السلام- فقال: أحسنت".
وأخرجه الترمذي (¬2).
قلت: هذا حجة لنا لا علينا؛ لأن عليًّا - رضي الله عنه - يخبر أن رسول الله -عليه السلام- أمره أن يقيم الحد على تلك الأمة التي زنت فكان الحد بأمر الإمام، وأما قول علي - رضي الله عنه -: "أقيموا على أرقائكم الحد"، فمعناه كمعنى قوله -عز وجل-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬3)، وقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬4) ومعلوم أن المراد رفعه إلى الإمام لإقامة الحد، فالمخاطبون بإقامة الحد الأئمة، وسائر الناس مخاطبون برفعهم إليهم حتى يقيموا عليهم الحدود، وكذا معنى قوله -عليه السلام- في الحديث الذي رواه أبو جميلة، عن علي، عن النبي -عليه السلام-:
¬__________
(¬1) "صحيح مسلم" (3/ 1330 رقم 1705).
(¬2) "جامع الترمذي" (4/ 47 رقم 1441).
(¬3) سورة المائدة، آية: [38].
(¬4) سورة النور، آية: [2].