كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 15)

وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفرائض، مأمورون بالطاعات.
وفيه دليل على أن الاعتكاف جائز بغير صوم؛ لأنه إنما كان نذر اعتكاف ليلة، والليل ليس بمحل للصوم.
قلت: لا خلاف أن الكفار مخاطبون بالإيمان, ولا خلاف أنهم مخاطبون بالمشروع من العقوبات، ولا خلاف أن الخطاب بالمعاملات يتناولهم، ولا خلاف أن الخطاب بالشرائع يتناولهم في حكم المؤاخذة في الآخرة، فأما وجوب الأداء في أحكام الدين فمذهب العراقيين من مشايخنا: أن الخطاب يتناولهم أيضًا والأداء واجب عليهم، ومذهب مشايخ ما وراء النهر: أنهم لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات، وقد عرف هذا في موضعه مستقصىً.
وأما الاعتكاف هل يشترط فيه الصوم أم لا؟ فإن كان تطوعًا فالصوم ليس شرط فيه، في ظاهر الرواية عن المذهب.
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه شرط، واختلاف الرواية فيه مبني على اختلاف الرواية في اعتكاف التطوع أنه مقدر بيوم أو غير مقدر، وإن كان الاعتكاف واجبًا فلا يصح إلا بالصوم لرواية عائشة - رضي الله عنها -: "لا اعتكاف إلا بالصوم".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجب عليه من ذلك شيء.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي -في قول- وأحمد -في رواية- فإنهم قالوا: لا يجب عليه من ذلك شيء.
ص: واحتجوا في ذلك بما رُوِيَ عن رسول الله -عليه السلام-.
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا مالك بن أنس، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي، عن القاسم بن محمَّد، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -عليه السلام-: "مَنْ نذر أن يُطع الله فليُطعْه، ومن نذر أن يَعْصي الله فلا يَعْصه".

الصفحة 67