كتاب أحكام الحديث الضعيف - ضمن «آثار المعلمي»

النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقوة؛ لأنّها إنّما لم تُستعمل في عهده؛ لأنّها لم تكون موجودة. وقد يكون للمقصد الشرعي وسيلة متيسرة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيعمل به ثم بعده تختل تلك الوسيلة، إمّا بحيث لا تبقى كافية لتحصيل المقصد، وإمّا بحيث يصير غيرها أصلح منها، وحينئذٍ فينبغي العدولُ عن الوسيلة التي كانت في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تتعين وسيلةٌ لم تكن على عهده فتصير واجبة لعينها، وذلك كتحصيل البنادق والمدافع ونحوهما من آلات الجهاد. وقد تصير وسيلةً لم تكن على عهده أصلح من التي كانت على عهده، فتصير مستحبةً لعينها، وعلى هذين القسمين يدور قسم الواجب والمستحب من أقسام البدعة على ما قَسّمه بعضُ [ص ٢٩] العلماء.
ويدخل فيما تقدم اغتسال مالك عند إرادة التحديث، والبخاري عند إرادة إثبات الحديث في الصحيح (¬١)؛ لأنّ من المقاصد الشرعية وجوب التحفُّظ عن الخطأ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الحكم على الحديث بالصحة، ولاسيما إذا كان الحاكم يرى أن حكمه سيُعْمَل به إلى يوم القيامة، ومن الوسائل إلى التحفّظ الاغتسال ليكون أقوى للنشاط وصفاء الذهن ولطف الفطنة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستغنيًا عن ذلك بما وهبه الله تعالى له من القوة والعصمة، وأمّا أصحابه فكانوا أحضر أذهانًا وأقوى فطنة مما بعدهم، مع أنّهم لا يكادون يخشون الخطأ؛ لأنّهم سمعوا الحديث من فيه صلى الله عليه وآله وسلم مرارًا، فهم على يقين لا شكّ فيه، ويدخل في هذا كلّ ما لعله يصح ممّا يشبه ذلك عن
---------------
(¬١) انظر تخريجهما فيما سلف (ص ١٩٧).

الصفحة 205