كتاب محاضرة في علم الرجال وأهميته - ضمن «آثار المعلمي»

والكذّابون والزنادقة، فنهض الأئمة لتبيين أحوال الرواة وتزييف ما لا يثبت، فلم يكن مِصْرٌ من أمصار المسلمين إلَّا وفيه جماعة من الأئمة يمتحنون الرواة، ويختبرون أحوالهم وأحوال رواياتهم، ويتتبَّعون حركاتهم وسكناتهم، ويُعلنون للناس حكمهم عليهم.
واستمرّ ذلك إلى القرن العاشر، فلا تجد في كتب الحديث اسمَ راوٍ إلّا وجدت في كتب الرجال تحقيقَ حاله. وهذا مصداق الوعد الإلهي؛ قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟! قال: تعيش لها الجهابذة، وتلا قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬١) [الحجر: ٩].
وكان نشاط الأئمة في ذلك آيةً من الآيات؛ فمن أمثلة ذلك: قال العراقي في "شرح مقدمة ابن الصلاح" (¬٢): "رُوّينا عن مؤمّل (¬٣) أنّه قال: حدّثني شيخ بهذا الحديث ــ يعني حديث فضائل القرآن سورة سورة ــ فقلت للشيخ: من حدّثك؟ فقال: حدّثني رجلٌ بالمدائن، وهو حيٌّ، فصرت إليه، فقلت: من حدّثك؟ قال: حدثني شيخٌ بواسط، وهو حيٌّ، فصرت إليه، فقال: حدّثني شيخٌ بالبصرة، فصرت إليه، فقال: حدّثني شيخٌ بعبّادان، فصرت إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتًا، فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخٌ، فقال: هذا الشيخ حدّثني، فقلت: يا شيخ من حدّثك؟ فقال: لم يحدّثني أحد، ولكننا
---------------
(¬١) فتح المغيث للسخاوي ص ١٠٩. [المؤلف]. وهو في "تقدمة الجرح والتعديل": (١/ ٣ و ٢/ ١٨).
(¬٢) "التقييد والإيضاح": (١/ ٥٤٧ ــ ت خياط).
(¬٣) هو ابن إسماعيل توفي سنة ٢٠٦. [المؤلف].

الصفحة 221