كتاب تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري - ضمن «آثار المعلمي»
في اليوم الواحد في المسألة الواحدة خمسة أقاويل؛ يجزم بهذا ثم يجزم بهذا وهكذا ولا ما يقرب من ذلك، بل لا أراه اتفق لواحد منهما مثل ذلك في قولين فكيف خمسة؟
والاضطراب في اليوم الواحد يشعر بما لا يشعر به أن يقول العالم قولًا ثم يرجع عنه بعد سنة ــ مثلًا ــ فتدبّر.
[ص ٣١] وقول الأستاذ: "إنه لا يوجد في كتب ظاهر الرواية إلا قول واحد لأبي حنيفة في كل مسألة" مجازفة! وهذه كتبهم موجودة بأيدي الناس. وعلى فرض صحة ذلك فإنما وجهه: أنّ مؤلفي تلك الكتب نقلوا آخر أقواله أو أقواها عندهم؛ ولهذا رجّحت كتبهم لا لضعف الكتب الأخرى مطلقًا.
فأما قوله: "إن الشافعية يَشْكُون من عدم مشي الفروع على الأصول"، فلا أدري مَن هو الذي شكا ذلك من الشافعية؟ ولا شكّ أنّ في الفروع ما يصعب على بعض المتفقّهة تطبيقه على الأصول، ولكن عامة هذا في الفروع التي لم ينص عليها الإمام، والإمامُ غير مسؤول عن ذلك. فأما الفروع التي نصّ عليها فلا يكاد يوجد فيها ذلك إلا أن يكون قليلًا. لكن طالع كتب الحنفية وتأمل العجب العُجاب من ذلك، بل طالع مناظرات الشافعي مع أئمتهم ليتبين لك كثرة تناقضهم.
هذا مع أن أصول الفقه عند الشافعية حرّة غالبًا؛ ولهذا لا تكاد تجد في كتبهم الأصولية محاولة تطبيق الفروع عليها، فأما أصول الفقه عند الحنفية فمبنية على الفروع، فكم من فرع شاذٍّ حاولوا أن يخترعوا أصلًا يردونه إليه؛ ولهذا يكثر التناقض في أصولهم نفسها بينا تراهم يردُّون كثيرًا من الأحاديث
الصفحة 329
494