كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} فازور وأعرض، كقوله تعالى: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [فصلت: 51]، وقيل: فتولى بما كان يتقوى به من جنوده وملكه. وقرئ: (بركنه)، بضم الكاف. {وقَالَ سَاحِرٌ} أي هو ساحر.
{مُلِيمٌ} آت بما يلام عليه من كفره وعناده، والجملة مع الواو حال من الضمير في {فَأَخَذْنَاهُ}.
فإن قلت: كيف وصف نبي الله يونس صلوات الله عليه، بما وصف به فرعون في قوله تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142]؟
قلت: موجبات اللوم تختلف وعلى حسب اختلافها تختلف مقادير اللوم، فراكب الكبيرة ملوم على مقدارها، وكذلك مقترف الصغيرة. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَعَصَوْا رُسُلَهُ} [هود: 59]، {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ} [طه: 121] لأن الكبيرة والصغيرة يجمعهما اسم العصيان، كما يجمعهما اسم القبيح والسيئة.
[{وفِي عَادٍ إذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} 41 - 42]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الساعة، مع إنكار مجيئها والامتناع من الاستعداد لها، وأوعدهم على ذلك بقوله: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} وجعله مخلصًا إلى ذكر أضدادهم، وذكر ما به فازوا إلى النعيم المقيم، من أخذ التأهب للمعاد، والتهيؤ لاستعداد زاد يوم التناد، أتى بعد ذلك بدليل للآفاق والأنفس، تنبيهًا لهم، وإيقاظًا من سنة الغفلة، وعطف عليه قصة موسى وفرعون اتعاظًا وتخويفًا، وأما قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام، فمعترضتان بين المعطوف والمعطوف عليه، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تكذيبهم، ووعدًا له بإهلاك أعدائه الأفاكين كما أهلك قوم لوط.
قوله: ({فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} فازور وأعرض) قال بعضهم: أي حرف ركنه وهو منكبه، والباء للتعدية، وحذف المفعول لأنك تقول: تولى عنه، أي: أعرض عنه.

الصفحة 28