كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

{فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ} أي إلى طاعته وثوابه من معصيته وعقابه، ووحدوه ولا تشركوا به شيئا، وكرر قوله: {إنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك، ليعلم أن الإيمان لا ينفع غلا مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، وأنه لا يفوز عند الله إلا الجامع بينهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} [طه: 53] أي: أنواعًا متشابهة.
قوله: (ليعلم أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل)، الانتصاف: حمل الزمخشري الآية على ما لم تحتمل، وليس في الآية إلا النهي عن التقصير والأمر بالمبادرة، وفائدة التكرار: التنبيه على أنه لا تنفع العبادة مع الإشراك، إذ حكم المشرك حكم الجاحد المعطل، أو المأمور به في الأول الطاعة الموظفة بعد الإيمان، فتوعد تاركها بالوعيد المعروف دون الخلود، فيكون وعيدًا مختلفًا لا تكرارًا.
وقلت: الآية من باب قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] بل دل الأول على الأمر بالاعتصام بالتوحيد، والثاني على النهي عن الإشراك، كقولنا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
روى محيي السنة عن سهل بن عبد الله: ففروا مما سوى الله إلى الله، وروى السلمي عن محمد بن حامد: حقيقة الفرار إلى الله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وألجأت ظهري إليك"، وقال أيضًا: "أعوذ بك"، وهذا غاية الفرار منه إليه.

الصفحة 33