كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الواسطي: لن يصل إلى الله تعالى إلا من يفر من نفسه.
وأما قضية النظم فلما قلنا: إن قوله: {وفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وفِي أَنفُسِكُمْ}، {وفِي مُوسَى}، تعريض بالمكذبين الخراصين، فكان في قصص الأنبياء وإهلاك المعاندين تخويف شديد.
وفي قوله: {والسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} تذكير لشدة سطوته وكمال قدرته، فلما فرغ من ذلك، أمر حبيبه صلوات الله عليه وسلامه بأن يقول لقومه: إذا ظهر لكم شدة قهرة وكمال سطوته، وما فعل بالأمم المكذبة، وعرفتم كل ذلك، وإنه إذا أخذ لا يبقي ولا يذر، ففروا إلى الله من الله، واتركوا العناد، وخافوا سوء مغبة تكذيبكم، يدل عليه قوله: {إنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} وتكريره إظهارًا للنصيحة وأنه النذير العريان، وقوله بعد ذلك: {مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ} وإن شئت علقت الفاء، في {فَفِرُّوا} بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وعليه ظاهر كلام المصنف، ولكن تقرير ذلك أنه تعالى لما أظهر القهارية بإهلاك الأمم الماضية، وبين الفردانية بقوله: {ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}، ونبه على ذلك بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ورتب عليه: {فَفِرُّوا إلَى اللَّهِ}، ووضع الاسم الجامع موضع الضمير، يعني: إذا تفكرتم واعتبرتم وتذكرتم، وتبين لكم أنه هو القهار الصمد، وإليه المرجع والملجأ فلوذوا إليه وتوكلوا عليه، ولا تشركوا به شيئًا، والعبادة من لوازم ذلك، ولذلك عقبه بقوله: {ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وحين لم يكن ينجع في المشركين تلك المواعظ والتخويف والتذكير، رجع عودًا إلى بدء، بقوله: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم} إلى آخره، مسليًا لحبيبه صلوات الله عليه، وجعل التخلص إلى المقصود من الخلق قوله: {وذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ}.

الصفحة 34