كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

ألا ترى إلى قوله تعالى: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] والمعنى: قل يا محمد: ففروا إلى الله.
[{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} 52 - 53]
{كَذَلِكَ} الأمر، أي مثل ذلك، وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميته ساحرًا ومجنونًا، ثم فسر ما أجمل بقوله: {مَا أَتَى}، ولا يصح أن تكون الكاف منصوبة بـ {أَتَى}؛ لأن "ما" النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. ولو قيل: لم يأت، لكان صحيحًا، على معنى: مثل ذلك الإتيان لم يأت من قبلهم رسول إلا قالوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ألا ترى إلى قوله: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] الآية، قد ذكرنا في موضعه أن الآية دالة على خلاف ما قصد به، وأن المعنى: {يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} حينئذ، أو كسبها في إيمانها خيرًا حينئذ لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا من قبل، فهو من حذف إحدى القرينتين من اللف لدلالة النشر عليه.
قوله: (وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم) يعني: المشار إليه ما في الذهن على الإبهام، وهو الأمر، لمجيء تفسيره، وهو قوله: {مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم}.
قوله: (على معنى: مثل ذلك الإتيان لم يأت) متعلق بقوله: "لو قيل: لم يأت، لكان صحيحًا"، فإن قلت: لم أوثر في التنزيل "ما" على "لم"؟

الصفحة 35