كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

أي: وما خلقت الجن والإنس إلا لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها.
فإن قلت: لو كان مريدا للعبادة منهم لكانوا كلهم عبادًا؟
قلت: إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة، لا مضطرين إليها، لأنه خلقهم ممكنين، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريدًا لها، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم.
[{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ} 57 - 58]
يريد: أن شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم، فإن ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وأرزاقهم، فإما مجهز في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لو كان مريدًا للعبادة منهم لكانوا كلهم عبادًا)، الانتصاف: من عادته إذا رأى ظاهرًا يوافق معتقده، أورد مذهب أهل السنة سؤالًا، وأورد معتقده جوابًا، والجواب الذي ذكره لا يصح، فإن السؤال مقدماته عقلية قطعية، والظاهر إذا خالف القطع وجب رده إلى الأدلة القطعية، وظاهري الآية دليل لأهل السنة، لأنها سيقت لبيان عظمة الله، وأن شأنه مع عبيده لا يقاس بغيره، فإن عبيد الخلق مطلوبون بالخدمة تكسبهم للسادة، وبواسطة كسب العبيد تدر أرزاق سادتهم، والله تعالى لا يطلب من عباده رزقًا ولا طعامًا، بل يطلب منهم العبادة لا غير، وزائد على ذلك أنه هو الذي يرزقهم، فحاصله: وما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي.
وقلت: أما مقتضى النظم فإن الكلام وارد على تحريض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بعث به من التذكير والتفادي عن التواني فيه، لأنه لما نزلت: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم

الصفحة 37