كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

تجارة ليفيء ربحًا، أو مرتب في فلاحة ليغتل أرضًا، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته، أو محتطب أو محتش، أو طابخ أو خابز، وما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي هي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق، فأما مالك ملك العبيد وقال لهم: اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم، ولا أريد ان أصرفكم في تحصيل رزقي ولا رزقكم، وأنا غني عنكم وعن مرافقكم، ومتفضل عليكم برزقكم وبما يصلحكم ويعيشكم من عندي، فما هو إلا أنا وحدي، {المَتِينُ} الشديد القوة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأنزل الله: {وذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ} أي: لا تدع التذكير والموعظة، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وحجة على المعاندين، فإنك ما بعثت إلا للدعوة: وما خلق الجن والإنس إلا لأن يؤمروا بالعبادة لأنهم مكلفون امتحانًا وابتلًا.
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أما الإرادة فكما تعلقت بالعبادة تعلقت بما يخالفها، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَانَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}.
ويؤيد هذا التأويل ما روينا عن محيي السنة عن علي رضي الله عنه: أنه قال: {إلاَّ لِيَعْبُدُونِ}: إلا لآمرهم أن يعبدوني.
قوله: (من الأعمال والمهن)، الجوهري: المهنة _بالفتح_: الخدمة، والماهن: الخادم.
قوله: (وعن مرافقكم)، الجوهري: المرفق من الأمر: ما انتفعت به.
قوله: (من عندي) متعلق بمتفضل، أي: أنا متفضل عليكم من عندي، ذلك من غير سابقة منكم، كما هو دأب السادات.
قوله: ({المَتِينُ} الشديد القوة)، الراغب: المتنان: مكتنفًا الصلب، وبه شبه المتن من الأرض، ومتنته: ضربت متنه، فصار متينًا، ومنه قيل: حبل متين، فإن الله تعالى: ذو القوة المتين.

الصفحة 38