كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

{فِي جَنَّاتٍ ونَعِيمٍ} في أية جنات وأي نعيم! ! بمعنى الكمال في الصفة. أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين، خلقت لهم خاصة. وقرئ: {فَاكِهِينَ} و (فكهين) و (فاكهون)؛ من نصبه حالًا جعل الظرف مستقرًا، ومن رفعه خبرًا جعل الظرف لغوًا، أي: متلذذين {بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ}.
فإن قلت: علام عطف قوله: {ووَقَاهُمْ رَبُّهُمْ}؟
قلت: على قوله: {فِي جَنَّاتٍ}، أو على {آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} على أن تجعل (ما) مصدرية؛ والمعنى: فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم. ويجوز أن تكون الواو للحال و"قد" بعدها مضمرة. يقال لهم: {كُلُوا واشْرَبُوا} أكلًا وشربًا {هَنِيئًا} أو طعامًا وشرابًا هنيئًا، وهو الذي لا تنغيص فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَعْمَلُونَ} لأن قوله: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} دل على تناهي العذاب، وأنه بلغ إلى أن الصبر والجزع لا ينفعان البتة. كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] فإنه دل على تصميمهم على الكفر، وعدم ارعوائهم.
قوله: (جعل الظرف مستقرًا)، يعني: {فِي جَنَّاتٍ} خبر لـ {إِنَّ}، و {فَاكِهِينَ} حال من ضمير الاستقرار، إذا قرئ منصوبًا، وإذا قرئ مرفوعًا كان هو الخبر، و {فِي جَنَّاتٍ} متعلق به، فالظرف لغو.
قوله: (على أن تجعل "ما" مصدرية)، أي: إذا عطف {ووَقَاهُمْ} على {آتَاهُمْ} لا يجوز أن تكون ما موصولة، لفقدان العائد من الجملة المعطوفة، إذ التقدير: فاكهين بالذي آتاهم الله إياه، وبالذي وقاهم ربهم عذاب الجحيم، وليس في الجملة الثانية عائد إلى الموصول؛ لأن "وقاهم" أخذ كلا مفعوليه، بخلاف {آتَاهُمْ}.

الصفحة 47