كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

ولذلك سميت: شعوب، قالوا: ننتظر به نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء؛ زهير والنابغة.
{مِّنَ المُتَرَبِّصِينَ} أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي.
{أَحْلامُهُم} عقولهم وألبابهم. ومنه قولهم: أحلام عاد. والمعنى: أتأمرون أحلامهم بهذا التناقض في القول، وهو قولهم: كاهن وشاعر، مع قولهم: مجنون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقت حصوله، فالإنسان أبدًا في ريب المنون من جهة وقته، لا من جهة كونه، ولهذا قال الشاعر:
الناس قد علموا أن لا بقاء لهم .... لو أنهم عملوا مقدار ما علموا
والريبة اسم من الريب، قال تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة: 110] أي: يدل على دغل وقلة يقين منهم.
قوله: (ولذلك سميت: شعوب)، الضمير للموت وأنث بتأويل المنية. الجوهري: سميت المنية شعوب، لأنها تفرق، وهي معرفة لا يدخلها الألف واللام.
قوله: (أتأمرهم أحلامهم بهذا التناقض [في القول]، وهو قولهم: كاهن وشاعر، مع قولهم: مجنون)، يريد: أن "أم" في هذه الآيات منقطعة، والهمزة فيها للتقريع والتوبيخ، وبل في {أَمْ تَامُرُهُمْ} إضراب عن جميع ما حكي عن القوم من الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر أولًا، فذكر {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ ولا مَجْنُونٍ}، ردًا لقولهم: هو كاهن أو مجنون تسليًا له وتثبيتًا، ثم ترقى إلى قولهم: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ} يعني: دعوا عن القول بأنه كاهن أو مجنون، بل هو شاعر نتربص به ريب المنون، لأن الشعراء كانوا عندهم أعظم حالًا من الكاهن،

الصفحة 58