كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

{بِالطَّاغِيَةِ} بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة؛ واختلف فيها، فقيل: الرجفة، وعن ابن عباس: الصاعقة، وعن قتادة: بعث الله عليهم صيحة فأهمدتهم. وقيل: الطاغية مصدر كالعافية، أي: بطغيانهم؛ وليس بذاك لعدم الطباق بينها وبين قوله {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ}. والصرصر: الشديدة الصوت لها صرصرة، وقيل: الباردة من الصر، كأنها التي كرر فيها البرد وكثر، فهي تحرق لشدة بردها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفظه السابق. وأصل المعنى: كذبت ثمود وعاد بها، فعدل إلى "القارعة" ليدل على القرع مزيدًا للتهويل.
قوله: ({بِالطَّاغِيَةِ} بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة)، اعلم أنه لم يسلك باللفظ سبيل ما وضع له من المعنى الحقيقي، على أنه هو الظاهر؛ فإن "الطاغية" عند أهل اللغة: الطغيان، فإسناده إليهم حقيقة كما يقال: أما ثمود، فأهلكوا بطغيانهم، لكن جعلت وصفًا لموصوف محذوف وعلى المجاز، أي: بالواقعة الطاغية، فحذف لرعاية التناسب بين القرينتين، لأن قرينتها: {وأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}.
قال صاحب "المفتاح": "قوله {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ}: العتو، هاهنا، مستعار استعارة الطغيان في المثال الأول". وقال الزجاج: "معنى {بِالطَّاغِيَةِ} عند أهل اللغة: بطغيانهم، و"فاعلة" قد يأتي بمعنى المصادر نحو: عافية وعاقبة. والذي عليه الآية أنهم أهلكوا بالرجفة

الصفحة 608