كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

{ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ} ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس؛ يقال: صلي النار وصلاة النار. سلكه في السلسلة: أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أثناؤها؛ وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة؛ وجعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطول، كما قال: {إن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، يريد: مرات كثيرة، لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد.
والمعنى في تقديم السلسلة على السلك، مثله في تقديم الجحيم على التصلية؛ أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} [غافر: 35]، وقوله تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}، يحتمل السلطانين. وسلاطة النساء: القوة على المقال، وذلك في الذم أكثر استعمالًا".
قوله: (ثم لا تصلوه إلا الجحيم)، هذا تفسير لتقديم {الجَحِيمَ} على عاملها.
قوله: (أثناؤها)، الجوهري: "أثناء الشيء: تضاعيفه، وثني الحبل: ما ثنيت".
قوله: (مرهق)، الأساس: "من المجاز: رهقه الدين، وأرهقوا الصلاة: أخروها حتى كادت تفوت". ومنه قوله: {وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73].
قوله: (كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق) أي: كأن السلسة أفظع من سائر أدوات الإرهاق، فوضع موضعها "مواضع" مبالغة، لأنها لما التفت عليه تضاعيفها، صارت كأنها وعاء له.

الصفحة 626