كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

ومعنى {ثُمَّ} الدلالة على تفاوت ما بين الفل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة. {إنَّهُ} تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ؛ كأنه قيل: ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بذلك.
وفي قوله: {ولا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ} دليلان على قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين، أحدهما: عطفه على الكفر، وجعله قرينة له، والثاني: ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل؟ ! وما أحسن قول القائل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أحدهما: عطفه على الكفر وجعله قرينة له) نحو قوله: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: 181]، جعل {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ} قرينة لقوهم: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}، إيذانًا بأنهما في العظم أخوان، وأنه ليس بأول ما ركبوا من العظائم. كذا جعل ترك الحض على طعام المسكين من صفات الكفار، فعلى المؤمن أن يجتنب منه. قال القاضي: "وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع، ولعل تخصيص الأمرين بالذكر، لأن أقبح العقائد الكفر بالله، وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب".
قوله: (ذكر الحض دون الفعل)، الراغب: "الحض: التحريض كالحث، إلا أن الحث يكون بسير وسوق، والحض لا يكون بذلك. وأصله من الحث على الحضيض، وهو قرار الأرض".

الصفحة 627