كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 15)

قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبًا، لأنه عرفه، يعني: أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك في أن ما رآه حق، وقرئ: (ما كذب) أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته.
{أَفَتُمَارُونَهُ} من المراء وهو الملاحاة والمجادلة، واشتقاقه من مري الناقة، كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه، وقرئ: (أفتمرونه) أفتغلبونه في المراء، من ماريته فمريته. ولما فيه من معنى الغلبة عدي ب"على"، كما تقول: غلبته على كذا: وقيل: (أفتمرونه): أفتجحدونه. وأنشدوا:
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة .... لقد مريت أخا ما كان يمريكا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال السلمي: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى}: البصر، وهو مشاهدة ربه كفاحًا ببصره وقلبه.
وقال ابن عطاء: ما اعتقد القلب خلاف ما رأته العين، وليس كل من رأى شيئًا مكن فؤاده من إدراكه، إذ العيان قد يظهر فيضطرب السر عن حمل الوارد عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم محمول فيها فؤاده وعقله وحسه ونظره، وهذا يدل على صدق طويته وحمله فيما شوهد به.
قوله: (وقرئ: "ما كذب") قرأها هشام، والباقون: بتخفيفها.
قوله: (من مري الناقة) مريت الناقة مريًا: إذا مسحت ضرعها لتدر، وأمرت الناقة، إذا: در لبنها.
قوله: (وقرئ: ("أفتمرونه") حمزة والكسائي، والباقون: {أَفَتُمَارُونَهُ}.
قوله: (لئن هجرت أخا صدق) البيت، يقول: لئن هجرتني، وأنا ذو صدق ومكرمة، لقد جحدت حق أخ وفي ما كان يجحد حقك.?

الصفحة 88